مع أن الإنسان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، يتمنى بصدق أن يستفيق ذات صباح ليفاجأ بأخبار (عاجلة) تبث من القاهرة ومن دمشق ومن رام الله ومن غزة تعلن الاتفاق بين الأطراف الفلسطينية والفصائل كلها على إنفاذ ما قد يعيد إلى الأذهان وثيقة الأسرى التي كانت قد أبرمت مبدئيا بين الفصائل قبل نحو ثلاثة أعوام. بيد أن الحقائق على إيلامها هي المتسيدة في الراهن من زماننا العربي الفلسطيني. نلاحظ، على سبيل المثال، لا الحصر، أن (التقدم) يجري كما هو معلن في شأن تبادل الأسرى بين حماس والمحتلين (قضية الجندي الأسير جلعاد) بوساطة ألمانية، لكننا نلاحظ، أن التحركات العربية المستمرة بين دمشقوالقاهرة وبين القطاع ورام الله لم تأتِ أكلها حتى الآن. ويبدو أن القدرة الفلسطينية على توليد المشكلات والعراقيل وكل مسببات الانقسام والخلاف تفوق التصور. وأعيد الى الأذهان الخلافات بشأن جلسة (المجلس الوطني) والتساؤلات حول شرعيته، كما اذكر ببيان حكومة فياض، وأعيد التذكير بانتقال المواعيد من يوم إلى آخر وتمديدها من أسبوع إلى آخر ما يقول بوجود أكثر من حالة استعصاء. والعجب أن جميعنا نستمع بشكل يومي الى ما يقوله المحتل ونرى ما يفعله ايضا. ما الذي سيتبقى من القدس العربية خلال السنوات العشر المقبلة؟ في التخطيط الاحتلالي سيكون عدد السكان العرب الفلسطينيين فيها نحو 12% واليهود هم الباقي (88%). ونحن وبما يدعو للدهشة نعلن تمسكنا بالدولة وبالمفاوضات طريقا إليها، ونقول اننا يمكن أن نصل إليها خلال عامين او ثلاثة، لكن ليبرمان له رأي آخر (لا اتفاق مع الفلسطينيين حتى بعد ستة عشر عاما) في أقل تقدير. ليس هذا فحسب، فتحركات نتنياهو وزياراته الأوروبية سعي الى تجميل القبح العنصري الذي يميز الحركة الصهيونية. بل انه يحاول القول ان حكومته ساعية الى التفاوض مع الفلسطينيين، مع انه يحدد نوع الفلسطينيين الذين يريد التفاوض معهم. لكنه لا يقول مثلا ان التفاوض يجب ان يكون مسبوقا بإقرار من قبل تل أبيب بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس بعد تنفيذ الانسحاب التام من جميع الأراضي العربية المحتلة ولا يتحدث وإن بكلمة واحدة عن حق العودة، بل هو سبق أن أعلن ان على العرب والفلسطينيين البحث عن حل لمشكلة اللاجئين (لكن خارج دولة إسرائيل) وحتى مسألة الاستيطان صارت تعامل في الولاياتالمتحدة وأوروبا وكأنها المشكلة الوحيدة بين العرب وتل ابيب، وان إعلانا من تل أبيب يقول بوقف الاستيطان من شأنه أن يزيل كل العقبات أمام الاتفاق وقبله أمام (العودة الى التفاوض). ويسعى نتنياهو إلى الحصول على دعم أوروبي بشأن مشروع مطالبته العرب والفلسطينيين الاعتراف بيهودية (إسرائيل). اين الموقف الفلسطيني الواضح من هذا كله؟ بل لنكن أكثر (قسوة في الحب) ونتساءل عن المواقف العربية والحركة العربية التي يجب ان تواجه التحركات المعادية التي أيضا شوهت الواقع وزيفت أسس الصراع وابعاد الدنيا عن التحدث أو التفكير الجدي في مسألة حقوق شعب فلسطين الثابتة والمعترف بها دوليا. بل هاكم الأسوأ: لقد بدأت عملية مرسومة تهدف إلى نسيان أو تجاهل أو إهمال أو حتى شطب كل القرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي الصهيوني. نظل على تفاؤلنا .. نحن ننتظر أخبارا طيبة حتى يعود الأمل إلى قلوبنا بحركة وموقف من العرب ومن الفلسطينيين المعنيين يقلبان المعادلة ويعيدان للقضية وجهها الأصيل، قضية وطن اغتصب وشعب شرد، وثمة إقرار دولي بحق العودة وبحق الشعب في ممارسة المقاومة بكل أشكالها منها (المقاومة المسلحة).