انتحر النازى الأكبر"أدولف هتلر" وانتهت الحرب العالمية الثانية وأصبح جيشه النازي المُكوَّن من أكثر من مليوني جندي تحت رحمة قوات الحلفاء. مؤسسات صناعية ضخمة كانت تمد النازيين بما يحتاجونه من عتاد أصبحت مُهددة. الوضع كارثيٌ في بلادٍ كان يؤمن الكثير من أهلها بتفوقهم على سائر البشر. لم يكُن خيار الهرب متاحًا أمام الكثيرين في ألمانيا حينها. لكن أكثر من 1600 عالم نازي، بعضهم كان عضوًا في الحزب النازي، أو الشرطة السرية، أو مجرمي حرب، كانوا على موعدٍ مع بدء حياة جديدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. عملية مشبك الورق – Operation Paperclip ظلَّت الوثائق التي تُثبت استقدام العلماء النازيين إلى أمريكا مع أُسرهم للعمل لحساب الجيش الأمريكي سريةً حتى عام 1998، حين أصدر الرئيس الأسبق “بيل كلينتون” قانون “الكشف عن جرائم الحرب النازية”. شارك الكثير من هؤلاء العلماء في ألمانيا في جرائم حرب، وتجارب غير أخلاقية على البشر، وصناعة الأسلحة البيولوجية والكيميائية. كل ذلك كان يعني، بالنسبة إلى أمريكا، أن أمامهم أحد الأمرين: الخضوع إلى المحاكمة، مثل محكمة “نورنبيرغ” لمجرمي الحرب النازيين، أو السقوط في يد أعدائنا: الاتحاد السوفيتي. سباق التسلُّح المحموم خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي لم يجعل لأوامر الرئيس الأمريكي حينها “هاري ترومان” أيَّ قيمة حين أصدر قرارًا بعدم استقدام أي عالم ألماني كان عضوًا في الحزب النازي أو شارك في جرائم حرب. كان الحل سهلًا: إعطاء هؤلاء العلماء هويات جديدة، وتنظيف سجلاتهم من أيَّة صلة بجرائم الحرب. شارك العلماء النازيون السابقون، ومعهم بعض الجواسيس وحتى قادة الجيش، في الكثير من الإنجازات الأمريكية التي شكَّلت فترة الحرب الباردة: برنامج الفضاء الأمريكي، وتطوير الصواريخ بعيدة المدى، والطب، والرادارات، والهندسة، بالإضافة إلى مهامٍ عسكرية واستخباراتية. فيرنر فون براون Portrait Of Wernher Von Braun عالم ألماني حصل على الجنسية الأمريكية بعد انتقاله إليها في عام 1945. عرف الأمريكيون “فيرنر فون براون“ بقيادته لبرنامج الصواريخ الأمريكية، وبتفانيه من أجل برنامج الفضاء الأمريكي ووكالة “ناسا” للصعود بالإنسان إلى سطح القمر. لكن تاريخ الدكتور “فيرنر“ لم يكُن نظيفًا تمامًا؛ فقد كان عضوًا في الحزب النازي والشرطة السرية النازية، واتُهم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب العالمية الثانية. آرثر رادولف لم يكُن «آرثر رادولف» عضوًا عاديًا في الحزب النازي؛ فقد كان مشاركًا فاعلًا في إنتاج صواريخ V-2 بعيدة المدى التي استخدمها النازيون في قصف لندن ومدنٍ أوروبية أخرى، وقُتل بسببها حوالي 9 آلاف عسكري ومدني، فيما قُتل أثناء تصنيعها وإجراء التجارب عليها في ألمانيا أكثر من 12 ألف سجين وعامل قسري. استقدم الجيش الأمريكي “آرثر” في عام 1945، لتطوير برنامج الصواريخ دون حتى أن يملك تأشيرة سفر (فيزا) إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ فنقله الجيش إلى المكسيك، ومنها إلى أمريكا مرة أخرى مهاجرًا ثم مواطنًا أمريكيًا بعد إعطائه الجنسية؛ وحصل على دكتوراه فخرية، وميدالية من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) لمشاركته في برنامج الفضاء الأمريكي الذي وضع أول إنسان على سطح القمر. ظلَّ «آرثر» وأسرته في أمريكا حتى عام 1984، حين بدأ استجوابه لاتهامه بالمشاركة في جرائم حرب؛ فوافق على عرض الحكومة الأمريكية بالتخلي عن الجنسية ومغادرة البلاد في مقابل عدم ملاحقته على الأراضي الأمريكية. أوتو فون بولشفينج لم تقتصر صفوف النازيين الذين انتقلوا إلى خدمة الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الحرب على العلماء والمهندسين؛ فقد كان هناك العديد من قيادات الاستخبارات والجواسيس الذين تحوَّل ولاؤهم من خدمة الحزب النازي والشرطة السرية النازية إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، والاستخبارات العسكرية الأمريكية. أحد هؤلاء كان “أوتو“، الجاسوس الألماني الذي كان مسؤولًا عن مكتب العمليات الخارجية. وقبل نهاية الحرب العالمية الثانية، جنَّدت أمريكا “أوتو” لحسابها، وانتقل إليها بعد الحرب. عمل “أوتو” في صفوف وكالة الاستخبارات الأمريكية في عدة بلدان في أوروبا بعد ذلك، ولم تبدأ السلطات الأمريكية التحقيق في ماضيه النازي حتى عام 1981. هوبيرتس ستروهولد يُلقَّب في أمريكا “بأبي الطب الفضائي”؛ وهو طبيبٌ عبقري بالفعل. عمل “هوبيرتس“ تحت حكم النازيين منذ عام 1937 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945. انتقل بعدها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ليخدم في صفوف سلاح الجو الأمريكي، ثم في وكالة الفضاء (ناسا). ورغم حصوله على الجنسية الأمريكية، فقد خضع إلى ثلاث جولات من التحقيقات بشأن جرائمه المحتملة في العهد النازي، بدأت الأولى في عام 1958، والثانية في 1974 لكن أُغلق التحقيق لعدم كفاية الأدلة، والأخيرة في عام 1986 وثبت فيها اشتراكه في جرائم حرب، وتجارب غير أخلاقية على البشر في سجن “داشاو”. ضمَّت القائمة الكثير من العلماء في مجالات مختلفة، منهم عالم الرادار هانز هولمان، وعالم الأمراض إيريك تروب، والجنرال رينارد جيلين.