بقلم: وليد الزبيدي كاتب عراقي مؤلف كتاب-جدار بغداد- المشاهد الدامية والمؤلمة الممتدة من بغداد الى غزة، تستدعي مناقشة موضوعية بعيدا عن المسارب العاطفية والتمنيات والصراخ والاستنكار ، هذه المناقشة يجب أن تبدأ من الحيثيات ، بعيدا عن المقدمات الطويلة ،لان المسلسل المأساوي اليومي في كل من العراق وفلسطين ،قد بدأ بالازدياد والاتساع ،بعد الانتخابات التي جرت في هذين البلدين ، هذه الانتخابات التي وصفها الاميركيون والغربيون والعرب السائرون في ركبهم ، بانها الابهى والافضل والطريق السوي، الذي يحمي الناس ويحافظ على حقوقهم ويصون كرامتهم، ويفتح امامهم افضل الفرص، لبناء مجتمعاتهم ، الم يكن هذا هو الخطاب الذي ازدحمت به الصحف والفضائيات وزخرت به الندوات والتجمعات، التي باركت الانتخابات في كل من فلسطين والعراق. ماذا جنى الموطن بعد الانتخابات التي قالوا انها الحل والمنقذ ، فاذا بدأنا من فلسطين لوجدنا ان اخر المشاهد وما جرى على ارض الواقع، يجيب على الكثير من التساؤلات ،القتال بين الفلسطينيين ، بعد ان حاصرت اسرائيل الحكومة الفلسطينية التي جاءت بعد فوز حماس في الانتخابات ، وعملت كل ما وسعها لافشالها وممارسة مختلف الضغوطات عليها ، لاظهار القوة التي كانت تقاوم وتحمل السلاح، بهذه الصورة الضعيفة ، امام الناس الذين وضعوا ثقتهم فيها واختاروها في الانتخابات ، ومن ثم جرجرت جميع الاطراف للاقتتال فيما بينها ،وهكذا تمخض عن التجربة الديمقراطية التي وصفوها بالباهرة والناجحة هذا الصراع الدامي ،والفشل الاداري المفروض وعدم حصول الناس على مرتباتهم،وحالة البؤس والفقر والقلق اليومي الذي يسود الشارع في جميع مفاصله. اما التجربة الديمقراطية في العراق فانها اوسع وابهى كما قالوا وما زالوا يرددون هذه الشعارات الفارغة ،لذلك فإن القتل اكثر والخراب اوسع والدمار شمل جميع المفاصل بدون استثناء،وتسلسل ذلك منذ مجلس الحكم الذي شكله الاحتلال الاميركي وبالمناسبة الذي يعود الى تصريحات الاميركيين في تلك الفترة وخطابات العراقيين الذين دخلوا ذلك المجلس ،سيجد مديحا به لا مثيل له،قالوا انه يمتلك السيادة وانه يمثل العراقيين واعترفوا بعد ذلك بان الحل والربط بيد المسؤول الاميركي بول بريمر،وشكلوا برلمانا من مائة عضو بعد مجلس الحكم وامتدحوه على اوسع نطاق وجاءت حكومة اياد علاوي ،لتبدأ مرحلة توجيه الشرطة والمغوير والجيش لقتل العراقيين بايدي عراقية وخير مثال ما حصل في النجف والفلوجه وغيرها من المدن العراقية ،ثم جاءت انتخابات تمخضت عن حكومة الجعفري فانتشرت فرق الموت التي تجوب الاحياء السكنية ليلا وتعتقل العشرات الابرياء من بين اطفالهم وترمى جثثهم في المزابل وقد زرفت رؤوسهم بالمثاقب مع ابشع انواع التعذيب،وفي عهد هذه الحكومة المنتخبة بدات محاولات اشعال الفتنة الطائفية بين العراقيين،وهذه اولى ثمرات تلك الديمقراطية،وعندما جرت انتخابات (25-12-2005)ارتفعت الاصوات مباركة وفرحة بهذه التجربة الديمقراطية ،ولابد من التاكيد ان جميع الاصوات محسوبة على المشروع الاميركي ،وتولت حكومة المالكي السلطة ،واحترق العراق واصبح القتل على الهوية وانتشر الهلع والرعب بين العراقيين واختفت الخدمات وازدادت دعوات تقسيم العراق وتخريبه،وكل ذلك من الثمرات الكبيرة والباهرة للتجربة الديمقراطية التي جاء بها الاميركيون. هاتان الصورتان الماساويتان البارزتان في حياة الفلسطينيين والعراقيين، لا بد من التوقف عندهما طويلا، وتأمل المشروع الديمقراطي الاميركي في المنطقة والعالم، انطلاقا من هاتين التجربتين،فهذا الاقتتال بين الاخوة وهذا البذر السيئ والخطير وهذا الضياع والتيه ،انما هو النتائج الاولى لما فعلوه ،والقادم اسوء واخطر ان لم يتنبه الجميع الى سيول الدمار، التي تجري تحت اقدامنا وتتغلغل في عقولنا،وتهيء البركين للانفجار على الجميع.