تلقیت في بریدي الإلكتروني بیانا باسم المعتقلین في سجون مصر، تضمن بعض المعلومات المفیدة التي تحتاج إلى تدقیق واختبار. جانب من تلك المعلومات یصنف المعتقلین حسب تخصصاتھم وهویاتھم. وهو ما أعتبره جدیدا بالنسبة لي على الأقل. لأن مواقع التواصل والمنظمات الحقوقیة المستقلة بذلت جھدا طیبا في توثیق الأعداد، خصوصا قوائم القتلى، لكن هذه هي المرة الأولى التي یتوفر لنا فیھا تصنیف لھویات المعتقلین الذین لم تختلف التقدیرات على أن أعدادهم تجاوزت عشرین ألفا، تم اعتقالھم في الفترة من 3 یولیو 2013 وحتى 31 ینایر 2014. من التفاصیل التي أوردها البیان المذكور ما یلي: * الموجودون في السجون بینھم 1232 طبیبا 2574 مھندسا 124 أستاذا جامعیا وعالما. * الأزهریون عددهم 5342 شخصا والطلاب 3879. * من المسجونین 704 نساء و689 طفلا. * الذین ماتوا بسبب التعذیب عددهم 21 شخصا. * من المعتقلین 618 مصابا بأمراض خطرة و53 طفلا مصابا بالغدة النكفیة. * بقیة المعتقلین یتوزعون على المھن والحرف الأخرى إضافة إلى انتسابھم إلى أنشطة القطاع الخاص. * في البیان إعلان عن دخول الجمیع في إضراب عام احتجاجا على الاحتجاز وعلى سوء المعاملة والتعذیب متعدد الأشكال الذي یتعرضون له.
أخیرا فإن البیان موقع باسم المعتقلین في 11 سجنا موزعة على المناطق التالیة: برج العرب الحضرة (الإسكندریة) دمنھور أبوزعبل وادي النطرون طرة جمصة العقرب الفیوم أسیوط الوادي الجدید. لیس لدي وسیلة للتثبت من صحة هذه المعلومات، ولا أعرف شیئا عن ملابسات إصدارها في الوقت الراهن، خصوصا أن الأعداد الكبیرة من المعتقلین تم التحفظ علیھا أثناء وعقب فض الاعتصامات في شھر أغسطس من العام الماضي. وقد وجدت أنه من المناسب أن أضعھا بین أیدى المراكز الحقوقیة المستقلة الأكثر حیادا ونزاهة في التعامل مع الملف. وفي غیاب المعلومات المتعلقة بخلفیات وملابسات صدور البیان، فلیس أمامنا سوى الاجتھاد في الاستنتاج، الذي یستشف منه المرء العوامل التالیة: * إن ذلك العدد الكبیر من المعتقلین أصبحوا في حكم المنسیین بالنسبة للرأي العام. ذلك أن الإعلام والنشطاء وبعض السیاسیین أصبحوا یتحدثون فقط عن الذین اعتقلوا بتھم مخالفة قانون التظاهر، خصوصا في مناسبة الذكرى الثالثة للثورة التي حلت في 25 ینایر الماضي، أما الذین تم اعتقالھم قبل ذلك فقد خفتت الأصوات التي تتحدث عنھم، ولم یعد یشار إلیھم إلا عرضا وحین تحدث صدمة من العیار الثقیل من قبیل الحكم الذي صدر بإعدام 529 شخصا بتھمة قتل أحد رجال الشرطة، وهو الحكم الذي أحدث دویا ترددت أصداؤه في خارج مصر فضلا عن داخلھا. بالتالي فقد صارت القاعدة إذ تتحدث الصحف عن أسماء بذاتھا بین النشطاء المعروفین الذین تظھر اسماؤهم وصورهم في الصحف. - أما آلاف المجھولین فلم یعد لھم ذكر في وسائل الإعلام. ومن المفھوم في هذه الحالة ان یشعر الأخیرون بالغبن وان یتذمروا. إن وضع أسر الشھداء أسوأ بكثیر من أوضاع المعتقلین. وهؤلاء الشھداء الذین یقدر عددهم بنحو ثلاثة آلاف شخص دمرت حیاتھم وانقطعت مواردهم وشردت أسرهم حتى اضطر بعضھم إلى ترك منازلھم لعجزهم عن دفع الإیجار. ومن ابنائھم من توقف عن مواصلة تعلیمه، وحال المصابین الذین یقدر عددهم بستة عشر ألفا لا تقل سوءا ولا تعاسة. لیس فقط لأن أغلبھم لا یستطیع توفیر نفقات العلاج في القطاع الخاص، ولكن أیضا لأنھم لا یستطیعون التعامل مع المستشفیات الحكومیة خشیة الابلاغ عنھم وإلقاء القبض علیھم. إلى غیر ذلك من الظروف الضاغطة التي تدفع المعتقلین إلى محاولة رفع أصواتھم عل َّ أحدا من المسؤولین یستمع إلى شكایاتھم ویحاول إنصافھم. في وقت سابق كان قد أعلن ان الرئیس المؤقت المستشار عدلي منصور دعا إلى حسم أوضاع المعتقلین بحیث یخلى سبیل الذین لم توجه إلیھم اتھامات بارتكاب أعمال عنف معینة. وحین نشرت الصحف الخبر في شھر ینایر الماضي فقد كان طبیعیا أن یتوقع المعتقلون قرب إطلاق سراحھم أو سراح بعضھم. ولكن ذلك التوجیه لم یستجب لھ فیما هو معلن على الأقل، حیث لم یطلق سراح أحد رغم مضي نحو ثلاثة أشھر على نداء الرئیس. ولذلك ربما كان مفھوما أن یدق المعتقلون الأجراس ویرفعوا الصوت للتذكیر والتنبیه إلى وضعھم المنسي. في ظل التقدیر المتداول الذي یرى أن الحیاة السیاسیة ستظل معطلة في مصر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسیة التي یفترض ان تجرى في شھر یونیو المقبل، وربما النیابیة التي ستعقبھا، وهو ما یرجح ان تحریك میاه السیاسة الراكدة لن یتم قبل بدایة العام الجدید، فإن ذلك یعني بالنسبة للمعتقلین إطالة أمد بقائھم في السجون. وتلك خلفیة قد تكون دافعا للمعتقلین لكي یلفتوا الانتباه إلى أوضاعھم وحسم مصائرهم قبل دوامة الانتخابات التي قد تصرف الانتباه عنھم. أیا كان تحلیل خلفیات البیان، فالذي لا شك فیه أنھا محاولة من القابعین وراء الأسوار لإسماع صوتھم إلى الآذان خارجھا، من مسؤولین ونشطاء وغیرهم من ذوي الضمائر الحیة والغیرة على كرامة الإنسان وحقوقه. وهو ما یستحق ان نتضامن معه، لإطلاق سراح الأبریاء الذین لم یرتكبوا جرما ولم تتم إدانتھم في أعمال العنف. وهو مطلب لا أحسبه یحتاج إلى مناشدة أو إلحاح.. ولكنھ یظل ضمن البدیھیات التي باتت تحتاج إلى برهان وإعادة إثبات.