النشرة الصباحية من «المصري اليوم»: أخبار مباراة الأهلي والزمالك اليوم وأزمة الثلاثي بعد الصورة المسربة.. لماذا لا يتوقف الذهب عن الارتفاع؟.. سعر الجنيه الرسمي أمام عملات دول بريكس    موعد بداية التوقيت الشتوي 2024 في مصر وطريقة ضبط الساعة    إعلام سوري: استشهاد عسكري وإصابة 7 آخرين جراء قصف إسرائيلي على نقطة عسكرية في ريف حمص    من هو القائد كيكل الذي انشق عن قوات الدعم السريع وانضم للجيش السوداني؟    الجيش اللبناني يعلن استشهاد ثلاثة من عناصره بينهم ضابط في ضربة إسرائيلية جنوبي لبنان    استشهاد 3 جنود من عناصر الجيش اللبناني في ضربة إسرائيلية    الابن العاق، عامل يصيب والده بكسر في عظام الجمجمة بسوهاج    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الخميس 24 أكتوبر 2024    فصائل عراقية مسلحة تعلن استهداف موقع عسكري بشمال إسرائيل    معلقو مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس السوبر المصري    الذهب يفاجئ العالم بأرقام قياسية جديدة بعد ارتفاع الطلب بسبب الانتخابات الأمريكية    تجديد حبس فني تركيب أسنان قام بقتل زوجته وألقى بجثتها في الصحراء بالجيزة    الأحد.. هاني عادل ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    وزارة الصحة: أكثر من 131 مليون خدمة طبية مجانية ضمن حملة "100 يوم صحة"    أستون فيلا وليفربول بالعلامة الكاملة، ترتيب دوري أبطال أوروبا بعد الجولة الثالثة    لاعب الزمالك السابق يكشف ملامح تشكيل الفريق أمام الأهلي    موعد مباراة ليفربول القادمة أمام آرسنال في الدوري الإنجليزي    لا توجد ضحايا.. الطيران الأمريكي البريطاني يستهدف مطار الحديدة باليمن    علي الحجار يطرب جمهور مهرجان الموسيقى العربية    تبدأ من 40 دينارا.. أسعار تذاكر حفل أصالة نصري في الكويت    رئيس اللجنة العلمية لمهرجان الموسيقى العربية: "نعد له قبل موعده ب 6 أشهر"    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواطنين بمدينة نصر    محافظ بورسعيد للمعلمين المحالين للمعاش: رسالتكم لم تنتهِ.. وأبناؤكم وأحفادكم أمانة فى أيديكم    تصل إلى 50 ألف دولار.. تعرف على قيمة جوائز مسابقة الأفلام الطويلة ب«الجونة السينمائي»    المراجعة الرابعة لبرنامج مصر مع صندوق النقد.. نوفمبر المقبل    3 عقوبات تنتظرهم.. وليد صلاح يكشف الحكم الذي ينتظر ثلاثي الزمالك بالإمارات (فيديو)    وفاة و49 إصابة خطيرة.. اتهام ماكدونالدز أمريكا بتفشي مرض في الوجبات    ناصر القصبي يغازل فتاة روبوت في ثاني حلقات "Arabs Got Talent" (صور وفيديو)    فلسطين.. قصف على محيط مستشفى كمال عدوان في مخيم جباليا شمال غزة    انقلاب مروع على طريق "القاهرة-الفيوم" يودي بحياة شخصين ويصيب 7 آخرين    ضبط المتهم بواقعة سرقة قرط طفلة بالشرقية    القبض على سائقين قتلا شخصًا في عين شمس    «اتصالات النواب» توضح حقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    حزب مستقبل وطن بالأقصر ينظم قافلة للكشف عن أمراض السكر بمنطقة الكرنك    «شكرا أخي الرئيس».. كل الأجيال لن تنسى فضله    محمد عبدالله: دوافع الزمالك أكبر للفوز بالسوبر المصري    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    أحمد الجمال يكتب: المسيرة والسنوار    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    منها إجبارهم على شرب مياه ملوّثة .. انتهاكات جديدة بحق المعتقلين بسجن برج العرب    قصة عجيبة.. سيدة تدعو على أولادها فماتوا.. والإفتاء تحذر الأمهات من ساعة الإجابة    ما هي بدائل الشبكة الذهب؟.. الإفتاء توضح للمقبلين على الزواج    أذكار النوم: راحة البال والطمأنينة الروحية قبل الاستغراق في النوم    الذكرى ال57 للقوات البحرية| الفريق أشرف عطوة: نسعى دائما لتطوير منظومة التسليح العسكري    حريق هائل يدمر شقة المطرب نادر أبو الليف بحدائق الأهرام    الأكاديمية الطبية العسكرية تنظّم المؤتمر السنوى ل«الطب النفسي»    إطلاق المرحلة الأولى لمبادرة «تشجير المدارس»    نتيجة التصويت على ممثل الدول العربية والمالديف ب«النقد الدولي» بعد غدٍ    مفاجأة بشأن موعد محاكمة ثلاثي الزمالك في الإمارات    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    «آركين».. «كل نهاية بداية جديدة»    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    تخلق عالمًا خاص.. 3 أبراج تدعم شريكاتها أثناء الحمل    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    وزير الصحة يبحث دعم خدمات الصحة الإنجابية مع إحدى الشركات الرائدة عالميا    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    محافظ المنيا: تقديم خدمات طبية ل 1168 مواطناً خلال قافلة بسمالوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحر المتوسط بين حمراء كولومبس وباريس ساركوزي
نشر في الشعب يوم 22 - 07 - 2008


أ.د. محمد الدعمي
يعد اجتماع قمة باريس الذي عقد قبل بضعة أيام "الاتحاد من أجل المتوسط"، تجربة إقليمية نوعية مهمة بقدر تعلق الأمر بالأواصر القديمة المتجددة التي تجمع البلدان المتشاطئة على هذا البحر، حيث تكون الفجوة التقنية والثقافية بين دول شمال البحر ودول جنوبه وشرقه واسعة بدرجة يمكن أن تلقي الضوء على طبيعة العلاقات التاريخية بين شعوب هذه الدول ، زد على ذلك تجريدية فكرة إتخاذ حوض مائي أداة أو وسيلة لتحقيق نوع من الوحدة بين الدول المتشاطئة (لاحظ أن الدول العربية المتشاطئة على الخليج قد إعتمدت هذا المبدأ "باستثناء العراق" لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، وهو خطوة نوعية مهمة نحو التوحيد وبلوغ شيء من الإتساق والتضامن الإقليمي). ومع هذا يبقى السؤال قائماً فيما إذا كانت حقيقة المشاطئة الجغرافية على حوض مائي واحد كافية لجمع الدول في روابط أو إتحادات من هذا النوع سؤالاً مشروعاً يستأهل المزيد من البحث والدراسة للإجابة عليه. وبكلمات أخرى: هل يمكن للدول المتشاطئة على بحر الشمال في أوروبا إتخاذ هذا البحر آصرة كافية لبناء نوع من الوحدة أو الاندماج الإقليمي عليها؟ وتنطبق ذات الحال على الدول المتشاطئة على بحر الخزر، وهي عديدة الآن، ناهيك عن الدول المتشاطئة على المحيطات الكبيرة كالمحيط الهادي والمحيط الأطلسي والهندي.
من منظور معين، لم تكتفِ دول مجلس التعاون الخليجي بالحقيقة الجغرافية المجردة لتأسيس مجلس التعاون ، خاصة إذا ما لاحظنا غياب إيران عنه ، الأمر الذي يفسر إعتماد مؤسسي المجلس على إعتبارات أخرى كأواصر تجمع بين الدول ، وأهمها اعتبارات: (1) الانتماء القومي (لذا يقال دول الخليج العربية)؛ (2) الثقافة الواحدة والمتجانسة؛ (3) التاريخ المشترك؛ (4) اللغة الواحدة. والحق، فإن الإعتبار الأخير "اللغة العربية" يبدو هو الأهم بقدر تعلق الأمر بفكرة تأسيس مثل هذا الإتحاد أو المجلس التي ترنو إلى الإتساق والتضامن الإقليمي.
هذه الاعتبارات غير متوفرة في أغلب حالات الدول المتشاطئة على البحر المتوسط. فمن منظور أول، تعد الفجوة التقنية والثقافية بين الدول الأوروبية شمالاً والدول العربية الإسلامية جنوباً وشرقاً بدرجة من الإتساع أن عملية تجسيرها لن تكون بالبساطة التي أوحت بها مصافحات مؤتمر باريس الذي تمخض عن الإعلان عن تأسيس هذا التجمع الإقليمي. ومن منظور ثان، تعد ثقافات الدول الموقعة على المشروع متباعدة كثيراً درجة الإرتطام الثقافي. فدول شمال البحر المتوسط تنتمي إلى ثقافة أوروبية تعد نفسها أعلى مرتبة من ثقافات الشرق العربي الإسلامي بفضل انتمائها إلى التقليد الثقافي الكلاسيكي الأوروبي، الإغريقي الروماني، زد على ذلك إنتماء أغلب لغات دول جنوب أوروبا إلى شجرة أو عائلة لغوية واحدة وهي عائلة اللغات الرومانسية Romance Languages التي تجمع الفرنسية والإسبانية والبرتغالية والإيطالية، وهي لغات متفرعة عن شجرة اللغات الهندية الأوروبية IndoEuropean الآرية التي لا تمت بأية صلة للغة العربية واللغات السامية (كالعبرية) المنتشرة عبر شرق وجنوب البحر المتوسط ، الأمر الذي يقيم الحواجز البشرية واللغوية ، قبل الحواجز الثقافية الأخرى. صحيح أن أغلب سكان شمال أفريقيا (بين الجماهيرية والمغرب) يتكلمون الفرنسية، وأحياناً الإسبانية، إلاّ أن هذه الحقيقة السكانية لا تكفي لإزالة الحواجز السكانية والعوائق الإجتماعية الأخرى، ناهيك عن حقائق وجود جاليات كبيرة من دول شمال أفريقيا تتعايش في دول جنوب أوروبا كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا. ومع هذه الإعتبارات جميعاً ، تبقى الحقيقة الثقافية الأولى والأكثر حسماً مع التباعد وليس التداخل والإتساق، وهي حقيقة الدين ، إذ تنتشر المسيحية (خاصة الكاثوليكية) في مجتمعات دول المتوسط الشمالية، بينما تنتمي جميع شعوب شرق المتوسط وجنوبه إلى الإسلام، بإستثناء اليهودية في جزء صغير من الساحل الشرقي للمتوسط، وهو إسرائيل.
لقد كانت هذه الاختلافات والتنوعات الثقافية وراء الكثير من الاحتكاكات العسكرية عبر تاريخ الشعوب المتوسطية منذ البداية. فقد كان الإرتطام الأول بين الشرق والغرب متأسساً على هذا النوع من الإختلاف، حيث التصادم العسكري بين الإمبراطورية الفارسية القديمة والإغريق، الأمر الذي قاد الإغريق إلى تسمية شبه هضبة الأناضول ب"آسيا الصغرى"، تمييزاً عن آسيا "الكبرى" التي جاء الفرس منها. وفي عصر تال، حاول أباطرة أوربيون، من روما خاصة، اعتماد البحر المتوسط كأداة رابطة، بوصفه بحيرة داخل الإمبراطورية المتخيلة. وهذا ما حدث فعلاً على سنوات الإمبراطورية الرومانية "المقدسة"، حيث إمتدت هيمنتها من إيطاليا إلى فلسطين وشمال أفريقيا حتى مضيق جبل طارق في الجنوب الغربي. من هنا كان عدم التكافؤ من منظور المستعمِر (بكسر الميم الثانية) the colonizer والمستعمَر (بنصب الميم الثانية) colonized the حيث حاولت الكيانات الإمبراطورية القوية عسكرياً بسط سلطتها وهيمنتها على بقية أمم البحر المتوسط، الأمر الذي يفسر تعمد معاوية بن أبي سفيان بناء أسطول بحري كبير حال توليه بلاد الشام، على سبيل مواكبة أو تحدي الهيمنة الأوروبية (المسيحية على البحر المتوسط)، خاصة على جزره المهمة كجزيرة كريتا وقبرص وصقليا، الأمر الذي قاد إلى المزيد من الاحتكاكات العسكرية بديلاً عن التلاقحات الثقافية. لنستذكر معركة "ذات الصواري" التي يدل اسمها على ضخامة الأساطيل الداخلة في أتونها.
وإذا كان البحر المتوسط وسواحله عبر هذه الحقب الدموية مسرحاً للإرتطامات والتنافسات الإستعمارية والإمبراطورية، فإن هذا البحر قد إستعاد دوره كقناة موائمة للهيمنة على الشرق وللعدوان عليه، الأمر الذي يفسر إتخاذه من قبل بابوات العصر الوسيط وملوك الفرنجة آنذاك طريقاً لنقل مئات الآلاف من الصليبيين نحو فلسطين، حيث إندلعت واحدة من أوائل الحروب العالمية من أجل بيت المقدس بين أوربا المسيحية والمشرق العربي الإسلامي المسلم. لذا يستذكر الأوروبيون البحر المتوسط كلما تذكروا آلاف الفتية والصبيان الصغار الذين إبتلعتهم أمواج البحر المتوسط عند غرق قواربهم وهم يحلمون بالمشاركة في الحملة الصليبية على القدس، وهي حادثة لم تزل عالقة بكثير من المرارة في قعر العقل الأوربي، الكاثوليكي خاصة.
ولم تزل التطورات الحديثة وتدشين أوربا لعصرها الكولونيالي الذهبي ودور البحر المتوسط مسرحاً لأحلام الأباطرة من أجل الهيمنة والضم وطريق لتحقيق الأحلام (الهند، بالنسبة لبريطانيا؛ ومصر بالنسبة لفرنسا النابوليونية). لقد بقيت عيون الأباطرة الجدد بعد تأسيس الدول القومية في أوربا ترنو دائماً إلى شرقي وجنوبي البحر المتوسط حيث تدخر مصر تاريخ الدنيا، بينما تختصر فلسطين قصة الكتب المقدسة من البداية حتى النهاية، الأمر الذي يفسر حملة نابليون على مصر، ومن ثم تواصلها على أيدي ضباط نابليون بإتجاه بلاد اشلام وفلسطين خاصة.
لم تكن عصور الهيمنة العربية الإسلامية على البحر المتوسط أكثر هدوءاً مقارنة بالهيمنات الأوربية التي حولت البحر المتوسط إلى مسرح لأبشع المعارك بين الأسطولين الفرنسي والبريطاني من أجل مصر، ومن ثم قناة السويس، باتجاه الهند، جوهرة التاج البريطاني. لقد حاول العرب المسلمون عبور مضائق هذا البحر من أجل توسيع الإسلام وحدود دولة الخلافة، إذ عبر طارق بن زياد شمال أفريقيا وتحت قيادته (موسى بن نصير) المضيق الذي إعتمد إسم القائد الدمشقي حتى اليوم من شمكال أفريقيا نحو شبه جزيرة إيبريا ليؤسس لواحدة من أغنى صفحات التزاوج والتآصر بين الشرق والغرب أو دولة العرب في بلاد الأندلس، أو ما يسمى ب(إسبانيا المسلمة) Muslim Spain في الأدبيات الغربية التي بقيت جسراً ثقافياً وسكانياً عظيماً، يستحق كل الإحترام، بين أوربا المسيحية الآرية والمشرق العربي الإسلامي السامي. ولم يزل الأوربيون يعترفون بفضل هذا الجسر العظيم، زيادة على الجسر الصقلي في إطلاق عصر الأنوار والنهضة الأوربية التي يعيش الغرب معطياتها اليوم، بفضل العرب والمسلمين الذين شيدوا أجمل الحواضر في الأندلس. وهي لم تزل شاهداً على فضائل الإتصال بديلاً عن اشرار الإنفصال.
ويبدو أن خير من كتب حول هذه الفضائل في العصور الحديثة هو ابو الأدب الأميركي واشنطن إرفنغ Irving خاصة في كتابيه العظيمين (فتح إسبانيا) The Conquest of Spain و (فتح غرناطة) The Conquest of Granada تأسيساً على ربطه بين تاريخ هذا الجسر الحضاري بين الشرق والغرب باتجاه إكتشاف الأميركي الأول (كريستوفر كولومبس) للعالم الجديد منطلقاً من إسبانيا النصف مسلمة والنصف مسيحية باتجاه بحر الظلمات (الأطلسي) حيث تم إكتشاف العالم الجديد (منطلقاً من الحمراء).

كاتب وباحث أكاديمي عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.