بقلم: د. سليم الحص* أسلحة الدمار الشامل هي الاسم الجامع لترسانة الأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية، وكلها من أدوات الإبادة الجماعية. ترسانة الدولة العظمى، الولاياتالمتحدةالأمريكية، تغصّ بكل هذه الأسلحة ولا من يسأل. وكانت الدولة العظمى هي التي أنتجت أول قنبلة نووية، وكانت هي في مقدم الدول التي طورت الأسلحة الكيماوية والجرثومية. والدولة العظمى هي القوة الوحيدة في العالم التي أقدمت على استخدام السلاح النووي قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية فألقت بقنبلتين فوق مدينتي هيروشيما وناكازاكي فسجلت على نفسها جريمة في حق الإنسانية لا تغتفر.
إلا أن الدولة العظمى ليست الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة دمار شامل، والمعروف أن لها شركاء في هذا المضمار في بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين والهند والباكستان و”إسرائيل”. والدولة العظمى، ومعها كل الدول الحائزة على أسلحة الدمار الشامل، تلبس اليوم لباس العفة فتشن حملة شعواء للحؤول بين أي دولة أخرى وبين تطوير قنبلة نووية. فقامت بحملة واسعة على هذا الصعيد لمنع كوريا الشمالية من إنجاز برنامجها النووي. وتشن هذه الأيام حملة مماثلة ضد إيران لوقف عملية التخصيب للأورانيوم التي تقوم بها، وهي عملية لا بد منها في تطوير الطاقة النووية. ولا تأبه الدولة العظمى، ومعها المجتمع الدولي، إلى إصرار الدولة الإيرانية على أنها لا تنوي تطوير القنبلة النووية وإنما ستتوقف عند تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية، أي لتنمية الطاقة الكهربائية. وهذا من حقها بحسب اتفاقية عدم الانتشار النووي (NPT) الموقعة من جانب أطراف المجتمع الدولي كافة التي تقتني السلاح النووي، باستثناء “إسرائيل”. والمعروف أن “إسرائيل” تختزن مائتي إلى ثلاثمائة رأس نووي وقد امتنعت عن التوقيع على اتفاقية عدم الانتشار النووي.
وإيران تقف موقفاً صلباً في الممانعة على الرغم من التحديات الجسيمة التي تلقاها من جانب المجتمع الدولي، متمثلاً بفريق الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي مضافاً إليها ألمانيا. فهي لم ترضخ لكل التهديدات التي وجهت إليها كما لم تأخذ بالمغريات الكثيرة التي قدمت إليها. وهي متشبثة بموقفها بناء على حقيقة أن اتفاقية عدم الانتشار النووي تسمح لها فعلياً بتطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية. صحيح أن عملية تخصيب الأورانيوم التي تنفذها إيران تؤدي إلى تطوير الطاقة لأغراض سلمية، إلا أنها في حال توبعت حتى أقصى درجاتها فهي تفضي إلى إنتاج السلاح النووي. ويبدو أن الحل لهذه المعضلة لن يكون إلا بتطوير آلية لمراقبة النشاط الذي تقوم به إيران بحيث يتم التحقق من أنها لن تتجاوز في عملية التخصيب ما هو مطلوب لتطوير الطاقة لأغراض سلمية، فلا تبلغ مرحلة إنتاج القنبلة النووية. وهذا ما لم تتمكن الدول التي تشن الحملة، ولا استطاعت المنظمة الدولية لضمان عدم الانتشار النووي “التي يرأسها محمد البرادعي في فيينا” من ابتداع آلية فاعلة للمراقبة تضمن عدم تخطي إيران العتبة المحرّمة، وقد لا ترضى إيران بالخضوع لمقادير من الرقابة تمكن الآخرين من كشف الحقيقة عند نقطة تخطي العتبة المحرمة. يهمنا في هذا الصدد الإدلاء بالملاحظات الآتية:
أولاً، إن ضمان عدم الانتشار النووي يجب أن يرتكز على اعتماد برنامج يملي تخلي سائر دول العالم عن الأسلحة النووية التي في حوزتها وليس مجرد منع دول أخرى من اقتناء القنبلة. السؤال الكبير هو: لماذا تحتفظ الدولة العظمى وسائر الدول الآنفة الذكر بمخزون من القنابل النووية؟ لماذا يجوز لها ما لا يجوز لإيران أو لكوريا الشمالية أو سواهما من دول العالم؟ والسؤال الأكبر بالنسبة إلينا نحن العرب هو: لماذا يسمح “لإسرائيل” باقتناء القنبلة النووية وهي تهدد أمن الأمة العربية ووجودها؟ ولماذا يسمح لها بعدم التوقيع على اتفاقية عدم الانتشار النووي؟
ثانياً، يبدو وكأن هذا السلاح وجد كي يتم التهديد به وليس لاستخدامه. والشاهد على ذلك أن ما من دولة تجرأت على استخدامه بعد لجوء أمريكا إليه مرتين قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك على الرغم من أن الدولة العظمى خاضت حروباً ومغامرات عسكرية كثيرة بعد ذلك وخرجت منها جميعاً خاسرة أو غير منتصرة. وسبب هذه الظاهرة ربما يعود إلى الرهبة المتبادلة من اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل. وهذا الواقع يسري على “إسرائيل” وسائر القوى النووية القائمة كما يجب أن يسري على الدول المرشحة لدخول النادي.
ثالثاً، نحن من المعارضين مبدئياً لكل أصناف أسلحة الدمار الشامل، ونتمنى أن يعتمد برنامج لتصفيتها كلياً من جانب سائر قوى العالم. ونردف القول، إن الإسلام دين السلام والرحمة والإنسانية يحرّم عمليات الإبادة الجماعية التي تقضي على الناس جميعاً في بقعة معينة دون تفريق بين مسلح وأعزل أو بين بريء وجانٍ أو بين طفل وشيخ وامرأة. فمجرد اقتناء سلاح نووي ينمّ عن أن صاحبه يمكن أن يستخدمه في عملية إجرام في حق الإنسانية لا يقرها عقل أو ضمير. والإسلام يحرّم مثل هذه الجرائم تحريماً قاطعاً. ونحن لا نريد أن نكون موضع شبهة على هذا الصعيد باقتناء القنبلة النووية. ونحن على يقين من أن إيران، وهي جمهورية إسلامية، لا تبغي ذلك لنفسها.
أخيراً، نحن نحرّم على أنفسنا استخدام أسلحة الدمار الشامل حتى في مواجهة عدونا التاريخي، “إسرائيل”. فنحن طلاب عيش مشترك بين العرب واليهود في وطن فلسطيني موحد عاصمته القدس، على أن يعود جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار التي هجّروا منها في كل فلسطين وفق القرار 194 الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة.