لم تعد قواتنا مصدرا للخلاص ، بل اصبحت تطرح تهديدا ، يقصد المتكلم هنا القوات الاميركية ، وصاحب هذا الكلام رئيس احدى المنظمات الكبيرة في الكونجرس الاميركي، وماقاله بيل ديلاهونت ، جاء ضمن تقرير للكونجرس، يتحدث عن ما اسماه انتشار مشاعر مناهضة لاميركا بمستويات غير مسبوقة، وذهب التقرير الى اهم نقطة في تحديد اسباب ذلك، بالقول، إن كل ذلك حصل بسبب الحرب على العراق. صحيح ان هذه الخلاصة، تزعج جميع الذين يطبلون ويروجون للمشروع الاميركي في العالم بصورة عامة، وبالاخص في العالمين العربي والاسلامي، ويجدون في هذا الاعتراف الرسمي بمثل هذه الحقيقة، اللطمة القوية، التي تتعرض لها طروحاتهم وافكارهم الترويجية، التي اصبحت باهته في مضمونها فاقعة بألوانها، الا ان المشكلة في الاطراف والقوى والجهات، التي تقف بالضد من المشروع الاميركي، الذي بدأت انطلاقته الاستحضارية، قبل الانهيار الشامل للقوة الثانية في المعادلة الدولية، مطلع تسعينيات القرن الماضي، اقصد الاتحاد السوفيتي، وتم الترويج لها على نطاق واسع في منتديات الفكر والثقافة وفي أروقة السياسة والدبلوماسية الدولية، اذ ان هذه الاطراف، او لنقل غالبيتها، لا تريد توصيف ماحصل بصورته الدقيقة، ونادرا مايأتي اصحاب الفكر على ذكر النصف الثاني من الصورة، فهم يقولون ان مصير المشروع الاميركي الكوني، هو الهزيمة،لكن غالبا مايغمطون حق الجهة التي افشلت هذا المشروع ، ولم تفشله بالمنتديات والكلمات فقط، بل ان الاساس في ذلك الفشل والهزيمة الاميركية، هي بذل سيول من الدماء على ارض العراق، وعندما يعترف تقرير الكونجرس بأن الانقلاب في المشاعر الذي يحصل في العالم وبمستويات غير مسبوقة، بسبب الحرب الاميركية في العراق، فإنه يقر بما لايقوله الكثيرون، والمتمثل بالوحشية والاجرام الاميركي الذي يجري في العراق، والهزائم المنكرة التي تلحق بقوات اكبر وأشرس واقوى الجيوش في العالم وهو الجيش الاميركي على ايدي المقاومة العراقية. إن التحليل الموضوعي، وتفكيك العبارات الرئيسية في هذا التقرير، تؤكد حجم الهزيمة، التي لحقت بالاميركيين ومشروعهم في العراق، ويتمثل ذلك في الوصف الدقيق والمركز لصورة القوات الاميركية في عيون الاخرين، التي اصبحت كما يقول(بيل ديلاهونت) تطرح تهديدا، وان هذه القوات لم تعد مصدر للخلاص. كما ان ذلك ينعكس بصورة رئيسية على جوهر المشروع الثقافي والفكري الاميركي، الذي اراد الاميركيون له الانطلاق بقوة العسكر وفخامة الاعلام ودفق الاقتصاد، ليثبت الصورة الاميركية الجديدة في اذهان ومشاعر الناس، ويتم استقبالها على افضل مايكون، الا ان هزيمتهم في العراق، قلبت الصورة فاضفى ذلك صفة النفاق على اميركا.