هالني ما نشر عن الدكتور عبد الفتاح إدريس – رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر-، وما أصدره من فتاوى مرسلة، وهو الشيخ الأزهري عضو عدد من المجامع الفقهية، وليس الذهول من فتاوى يمكن أن تكون محل خلاف بين الفقهاء، وإنما الذهول أن يصدر عن بعض المنتسبين للعلم مثل هذه الفتاوى التي لا نصيب لها في ميزان العلم الرصين، ولا علاقة لي بنية الرجل ولا مقصوده من الفتوى، فهذا بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، ولكن من أمانة العلم أن نبين خطأ العلماء حتى لا يفتن الناس بهم، ووفاء بالعهد الذي أخذه الله تعالى على أهل العلم في كتابه: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران: 187]، وأنا هنا لا أدافع عن الإخوان أو غيرهم، ولكني أدافع عن دين الله تعالى، وعن العلم الذي ننتسب إليه، فقد تعلمنا أن نعرف الحق بذاته فنعرف رجاله، وأن كل امرئ ليس معصوما من الخطأ، وأنني هنا لست بصدد الحكم على الرجل، ولكنني أحكم على فتواه متجردا سائلا الله تعالى أن يرشد علماءنا الصواب، وأن يهديهم بفضله فصل الخطاب. وأولى الأخطاء في فتوى الدكتور عبد الفتاح إدريس هو وصفه لمن يخالفه الرأي ويقول : إن قتلى الإخوان شهداء ( بياع خضار)، ولم يحفظ عن أهل العلم مثل هذه الطريقة في تسفيه المخالف، ولو اعتبرنا المسألة محل خلاف، وبدا أن شهداء الإخوان ومؤيدي الشرعية شهداء، فهل يقبل الدكتور عبد الفتاح إدريس أن يوصف بأنه ( بياع خضار)! كان من الممكن أن يقول: هذا في رأيي اجتهاد ضعيف، أو هو رأي أخالفه، أما وصف من يقول: قتلى الإخوان شهداء ( بياع خضار)، فليس في مثل هذا الكلام نور العلم، بل ظلام التعصب والتحزب للفئة الباغية. ثم لم يبين لنا الدكتور عبد الفتاح إدريس أدلته الشرعية في الحكم على من قتل رافضا الظلم والقتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض أنه ليس شهيدا، وهم قد قتلوا دون دينهم وأموالهم وشرعيتهم، وما يعتقدون أنه الحق. وثانيها قوله: إن من مات في المظاهرات مات على كبيرة، والكبيرة كما عرفها العلماء هي كبائر الذنوب التي توجب لصاحبها النار، كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } [النساء: 31]. فهل خروج المتظاهرين للمطالبة بعودة الرئيس الشرعي المنتخب توجب النار في فقه السادة علماء الأزهر من قادة المؤسسة؟ هل مطالبة الأغلبية باحترام رأيها يوجب النار عند الدكتور عبد الفتاح إدريس وفقهاء الانقلاب؟ ثالثها: أن الدكتور عبد الفتاح إدريس ذكر أن من خرج في المظاهرات وحمل السلاح أو المولوتوف مات كافرا؟ ونحن نسائل سعادة الفقيه الأزهري: هل الصحابة – رضوان الله عليهم- حين اختلفوا في الزمن الأول، وتقاتلوا، وكان مع كل فريق منهم – فريق علي وفريق معاوية، رضي الله عن الجميع- هل كانوا كفارا؟ وهل اقتتال المسلمين على مر العصور حتى من أجل الحصول على المنصب هل يعد في فقه الأزهر الحديث كفرا؟ وهل القتل في حد ذاته من موجبات الكفر؟ مع استصحاب أن مؤيدي الشرعية ليسوا جيشا وليس معهم سلاح، مقابل الجيش والشرطة والبلطجية الذين يحملون أسلحة ثقيلة؟ وماذا عن قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10] يقول الإمام الطبري في تفسير الآيتين: جامع البيان ت شاكر (22/ 292 وما بعدها) وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا، فأصلحوا أيها المؤمنون بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما، وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى) يقول: فإن أبَت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله له، وعليه وتعدّت ما جعل الله عدلا بين خلقه، وأجابت الأخرى منهما (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) يقول: فقاتلوا التي تعتدي، وتأبى الإجابة إلى حكم الله (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) يقول: حتى ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) يقول: فإن رجعت الباغية بعد قتالكم إياهم إلى الرضا بحكم الله في كتابه، فأصلحوا بينها وبين الطائفة الأخرى التي قاتلتها بالعدل: يعني بالإنصاف بينهما، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلا بين خلقه.
ويقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في الدين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله. وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل، وفي غير ذلك من فرائضه، واجتناب معاصيه، ليرحمكم ربكم، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه، واتبعتم أمره ونهيه، واتقيتموه بطاعته.
وإني أسائل الدكتور: أي الفريقين أقرب لشرع الله تعالى، وأين حكم الله تعالى فيما حصل من خلاف وانقلاب عسكري؟ وأين دور الأزهر للقيام بالإصلاح بين المتخاصمين؟ بل انحاز الأزهر إلى أظلم الفريقين وأفسقهما! ولا يدرى أي فقه يقول صاحبه أن من خرج في المظاهرات (وأن من قام منهم خلال المظاهرة بحمل السلاح أو المولوتوف ثم مات، فإنه يموت كافرا ولا يصلى عليه ولا يدفن بمقابر المسلمين) ثم من أين حكمت أيها الفقيه أن مؤيدي الشرعية حملوا السلاح وكأنهم هم الجناة، ونسيت آلاف الشهداء والجرحى برصاصات ودبابات الشرطة والجيش وخرست ألسنتكم عن أن تبين حكم الله تعالى فيهم، وعجزت أقلامكم أن تكتب سطرا واحدا تبين فيه حق الله تعالى وحكمه فيما حصل، فخنتم بذلك شرف الدين والفتوى وحسباكم على الله يوم يفصل بين العباد. ولا يخفى على سعادة الفقيه أن الحدود تدرأ بالشبهات فأي بينة تؤيد أنهم كفرة وأنهم خوارج، أهكذا تكون الفتاوى وقد كنت مرشحا أن تكون مفتيا للديار المصرية؟! رابعا- أن من أعجب ما كتب الدكتور عبد الفتاح إدريس القول بأن " جماعة أنصار بيت المقدس، والتى أعلنت مسئوليتها عن أبرز حوادث التفجيرات التى شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية، هى الجناح العسكرى لجماعة الإخوان المسلمين، وهم كفار "قولا واحدا". فهل يجوز لك أن تتهم بدون بينة في دين الله تعالى، وهل هذه وظيفة المفتي أن يتهم الناس وأن يقوم مقام المخابرات وأمن الدولة، أم أن الفقيه دوره بيان الحلال والحرام في المسألة، لا أن يتهم الناس ويبني على تلك التهم فتاواه، وقد نسي فضيلة الفقيه أن جماعة أنصار بيت المقدس قد رفعت شعارها في أحد الاحتفالات المؤيدة للسيسي بسيناء؟ فهل الإخوان في سيناء مؤيدون للسفاح عبد الفتاح السيسي؟؟ ألا يعد ما قلت من كون أنصار بيت المقدس الجناح العسكري للإخوان من باب التدليس والكذب والافتراء على خلق الله تعالى، وأنت ليس معك بينة، إلا أن تكون قد استمتعت إلى بعض أجهزة الدولة فصدقت كلامهم دون تمحيص أو تثبت؟ ثم أين تلك الفتاوى من كون من يخرج للمظاهرات خوارج لماذا لم تكن موجودة أيام رئيس البلاد المنتخب؟ لماذا اعتبرتموها مباحة في حق مؤيدي الانقلاب حراما في حق مؤيدي الشرعية {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85] إن كل ما ذكره الدكتور عبد الفتاح إدريس من فتاوى بهذا الشأن خاطئة، وهي توصف بالفتاوى الشاذة التي لا اعتبار لها عند أهل العلم، فإن القتل العمد يوجب النار ولا يوجب الخروج عن الملة إلا أن يعتقد الإنسان أن القتل بلا موجب شرعي حلال، وهو حرام قطعا، وليس بمسلم بأن الخروج في المظاهرات من الكبائر؛ لأن الكبيرة هي المعصية التي توجب النار، وهذا ليس بمسلم به، فإن كان بعض قادة الأزهر يرونه كبيرة، فإن بعض الفقهاء يرونها جهادا للبغي والظلم وأئمة الجور. ولكن الأعجب من هذا هو صمت علماء الأزهر في مؤسسته الرسمية عن تلك المجازر الوحشية، والخروج المسلح من فئة باغية من الشعب وهي الجيش والشرطة بمعاونة القضاء والإعلام على فئة مستضعفة هي المتظاهرون، فإن كان حكم الدكتور عبد الفتاح إدريس صحيحا فهو ينطبق على الجيش والشرطة والبلطجية وليس على شباب الجامعة وفتياتها والمتظاهرين المنادين بعودة الشرعية واحترام رأي الأغلبية، ولكنه أمر بيت بليل، وقد وقع فيه من كنا نسأل الله تعالى لهم السلامة، ولكنه أمر الله تعالى النافذ الذي لا يعلم حكمته، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] والله تعالى يفصل بين الناس بالحق وهو خير الحاكمين. سيذكر التاريخ أن هناك صفحات سوداء من تاريخ الأزهر، سطرها بعض قادتها، فخانوا الدين والعلم والمؤسسة. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 20 - 25] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 27، 28]