كلما ذهبت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية إلى مدى زمني أطول، اتضحت جوانب الحقيقة من سيرها، وكلما اقتربت نهاية فترة الرئاسة الأميركية الحالية، بانت الرؤية الأميركية للسلام بشكل جلي بعدما بدأ ينقشع الغبار الذي أثارته السياسة الأميركية والإسرائيلية بإعلان ما يسمى خارطة طريق والإعلان عن قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنبًا إلى جنب، وانتهاء بمؤتمر أنابوليس الذي عقد يوم الثلاثاء السابع والعشرين من نوفمبر عام 2007 بحضور عربي، حيث مثَّل المؤتمر خدعة كبرى أخرى في مسار القضية الفلسطينية، تمثل بإطلاق مفاوضات تخفي وراءها الوجه الأقبح للاحتلال وهو التهام المزيد من الأراضي الفلسطينية وقضم الأراضي ذات الطبيعة الخصبة، أي (أسرلة) وتهويد كل ما يحمل الهوية الفلسطينية والعربية، وعلى الأخص القدسالمحتلة، قد يتم مقايضة الفلسطينيين بها بأراضٍ جدباء قاحلة غير قابلة للحياة في صحراء النقب، ويترافق مع مسار الاستيطان أمران وهما مقصودان لإكمال سياسة التهويد والاستيطان؛ الأول إجراء مفاوضات عبثية لإشغال الفلسطينيين عن جوهر قضيتهم والاكتفاء بالحديث عن القشور كالنواحي الأمنية والاقتصادية التي تهدف بالأساس إلى توظيف الكوادر الفلسطينية في حفظ الأمن الإسرائيلي، وذلك بمنع أي محاولات من قبل أطراف مقاومة لتنفيذ عملية داخل الأراضي الإسرائيلية، ونتائج الأمر الأول هذا تشكل عامل نجاح للأمر الثاني وهو عزل حماس وبقية الفصائل الفلسطينية الموجودة داخل قطاع غزة والرافضة الاعتراف بإسرائيل، لحين تمرير المشاريع الإسرائيلية المدعومة أميركيًّا، وذلك بتشديد الحصار والتلويح بين الحين والآخر بتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد القطاع بسبب ما يسمى بالصواريخ الفلسطينية المنطلقة منه باتجاه البلدات الإسرائيلية المحيطة به، وكذلك لإبقاء حالة الانقسام بين أكبر فصيلين فلسطينيين فتح وحماس، حيث تهدف إسرائيل من مفاوضاتها العقيمة مع الطرف الفلسطيني، إلى جانب استمرار عمليات الاستيطان والاغتيال، إلى زعزعة الثقة المتزعزعة أصلاً بين الفلسطينيين وذلك لضمان استمرار حالة الانقسام بينهم، ولهذه الأسباب ترفض إسرائيل قبول التهدئة مع حماس مقابل فك الحصار، وإنما ما تريده إسرائيل هو تهدئة مقابل تهدئة دون فك الحصار، لأنها تعلم أن حماس لن تتنازل عن شرطها. فن المراوغة يعتبر أحد محركات السياسة الإسرائيلية، وتجيد ممارسته عندما تحين لحظة قد تقود إلى حل، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة كما يقال فإسرائيل باعتمادها أساليب المراوغة والخداع عليها أن تدرك أنها ذاهبة إلى خسارة كل من يقبل أن يتحاور معها ويتعامل معها ويعترف بها بمن فيهم السلطة الوطنية الفلسطينية الممثل الشرعي للفلسطينيين والدول العربية التي دأبت واشنطن وتل أبيب على وصفها بالمعتدلة، في حين أنها لا تزال تتجرع مرارة فشلها في التعامل مع ملف حزب الله والملف النووي الإيراني والملف السوري. وحتى لا يتواصل النزيف في سياستها الرعناء والحمقاء في مطلق الأحوال عليها أن تعيد النظر في صياغة سياستها، وتتعامل بالمثل مع من يمد لها اليد، لا أن تعمل على قطعها أو تشويهها، وتتعاطى مع جوهر القضية بمسؤولية تمليها عليها القرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن، وإلا فإنها لا محالة ستسقط في النهاية في يوم من الأيام في كل حفرة تحفرها.