طرحت الحكومة البريطانية في الأيام الماضية مبادرة بشأن ملف دارفور مفادها استعدادها لاستضافة مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية ورافضي أبوجا من متمردي دارفور، وسوف نعالج في هذا المقال المحاور التالية:
1- أين وصلت اتفاقية أبوجا 2006؟
وما هي التحولات التي جرت بعد أبوجا؟
2- هل وصلت الوساطة الليبية الافريقية الأممية إلى طريق مسدود؟
3- امكانية نجاح المبادرة البريطانية.
لقد خاب فأل الذين أرادوا لاتفاقية أبوجا عام 2006 والتي اشرف عليها الرئيس النيجيري السابق أوباسانجو ان تكون اتفاقية شاملة ونهائية لملف دارفور .. وقالوا إنها لا تقبل اضافة (شولة) .. وزاد الامر سوءا ان الحكومة قد أفرغتها من مضمونها كعادتها .. بعدم الوفاء بأي عهد، وقد وجد كبير مساعدي رئيس الجمهورية السيد منو اركو مناي نفسه مجرد ديكور في قصر سلطان المركز.
الاشكالية الكبرى في ملف دارفور تتمثل في أن ارضية القضية في الصحراء وليست في الغابة كما في ملف الجنوب. واشكالية ارض الصحراء انها رملية وبالتالي متحركة في حين ان اشجار الغابة ثابتة رغم انحنائها للريح. في ملف الجنوب كانت الحكومة منذ 1983 وحتى 2005م تتعامل مع قائد واحد هو الدكتور جون قرنق، وحركة ذات رؤية واحدة، هذه الحالة استثنائية ونادرة لأن وحدة الهدف والغاية لا تبرر وحدة الوسائل والحركات والمنظمات الداعية لتحقيق هذا الهدف مهما كانت هذه المجموعة الداعية لتحقيق الهدف منسجمة ومتجانسة مع بعضها. ودونكم تجربة النضال الكردي في العراق. فرغم ان الاكراد قومية متجانسة عرفا ودينا كمسلمين، ومذهبا كونهم (سنة) تعددت حركاتهم النضالية لتحقيق تطلعاتهم القومية الكردية.
وأن هنا لست بصدد تبرير حالة التشرذم التي أصابت حركات وقيادات دارفور. وهي حالة مؤسفة احترقت حركة تحرير السودان وعبد الواحد خرج من معادلة التمرد بعد أبوجا من خلال التصفية الجسدية الدارفورية - الدارفورية أو بالاحرى من خلال الصراع الداخلي لحركة التحرير ثم احترق أخيرا بفتح مكتب لحركته في اسرائيل. وبقيت في الساحة حركة العدل والمساواة كحركة رئيسية تجابه حكومة الخرطوم في ميدان القتال وقد تفننت في اسقاط الطائرات الحربية والمروحيات التابعة لحكومة الخرطوم.
هل وصلت الوساطة الليبية إلى طريق مسدود؟
يلزمنا بيان ان ليبيا (سرت) هي بالاساس (مقر) للمفاوضات التي تنظمها شراكة بين الاتحاد الافريقي والأممالمتحدة، وبالتالي فإن الفشل الذي حدث في نهاية اكتوبر 2007 لجولة مفاوضات سرت بين الحكومات والحركات الرافضة لأبوجا لا ينسب إلى الجماهيرية الليبية بقدر ما ينسب لجهود الاتحاد الافريقي والأممالمتحدة. اعتقد ان السبب الاساسي لفشل جولة سرت هو عدم استيعاب الوساطة الافريقية الأممية للمتغيرات التي جرت على الساحة الدارفورية ذات الارضية المتحركة. واكبر دليل على ذلك ان الوساطة لم تستوعب ان عبد الواحد محمد نور لم يعد متمردا ولا وجود له في الميدان، وانه كارت محروق فضلا عن ان الوساطة لم تميز بين الحركات المسجلة الكترونيا وتشكل ظاهرة صوتية، وبعضها من صنع الحكومة، وبين الحركات المتمردة وتحمل السلاح من اجل انتزاع حقوق شعب دارفور، وتحمل مشروعا يعبر عن حلم المهمشين ليس في دارفور فحسب، وإنما على مستوى القطر السوداني.
الاشكالية إذن في الوساطة الافريقية الاممية لهذا السبب طرحت حركة العدل والمساواة وهي الحركة الرئيسية التي تقاتل في الميدان، والقوات (الهجين) تعرف هذه الحقيقة، ومن باب أولى تدرك الحكومة السودانية الحقيقة - طرحت حركة العدل مبادرتها بالمفاوضات المباشرة مع الحكومة السودانية.
ما هي أفاق نجاح المبادرة البريطانية؟
بالتحليل سنجد ان مفاوضات سرت كانت آخر فرصة لإجراء مفاوضات بشأن دارفور في افريقيا، فقد تم استنزاف دول الجوار كلها، فقد تولت كينيا ملف الجنوب، وكينيا مشغولة الآن بمشاكلها الداخلية، وتولت اريتريا ملف الشرق، وتولت مصر ملف التجمع الحزبي والنقابي ودفعت تشاد ثمنا باهظا من حرب دارفور، وينطبق ذلك على افريقيا الوسطي. باختصار اخذت دول الجوار كلها فرصتها، ودفعت اثيوبيا ثمنا باهظا بشأن اوضاع السودان، وبذلت نيجيريا جهودا مقدرة وكذلك جنوب افريقيا ولكنها مشغولة الآن بمشكلة جارتها زيمبابوي، وبالتحليل بالاسقاط لم تعد في افريقيا ساحة مناسبة افضل من بريطانيا.
يجب التنويه إلى أن بريطانيا ليست مجرد دولة (متبرعة) لاستضافة مفاوضات دارفور، وإنما هي صاحبة مصلحة مباشرة، وننوه إلى أن الدولة البديل لاستضافة هذه المفاوضات هي فرنسا، لأنه وبالرغم من ان بريطانيا هي الدولة الأولى برعاية هذه المفاوضات لكونها المستعمر السابق للسودان وهي التي ضمت دارفور للسودان إلا ان اقليم دارفور يجاور الفضاء الاقليمي للمصالح الفرنسية في شريط الساحل والصحراء.
في ضوء الخلفية السابقة نناقش آفاق نجاح المبادرة البريطانية في النقاط التالية:
1- المبادرة جهد مقدر من بريطانيا تشكر عليه .. ولن يخسر في الدنيا من يبادر والمثل يقول (افعل واندم .. ولا تترك فتندم).
2- بالتحليل فإن الحكومة السودانية سوف تتردد كثيرا في قبول المبادرة البريطانية، لأن الحكومة السودانية لا تستطيع ان تنسى ان بريطانيا كانت العنصر الاساسي «الدينامو» المحرك لمجلس الامن لإصدار قرارات المجلس التي بلغت حوالي عشرة قرارات والتي وضعت اقليم دارفور عمليا تحت الوصاية الأممية واخطرها على الحكومة القرار المتعلق بمحاكمة مجرمي الحرب في دارفور امام الجنائية الدولية والتي قد تجر رؤوسا كبيرة في الحكومة.
3- تخشى الحكومة السودانية من بريطانيا باعتبارها الحليف الاستراتيجي لأميركا حيث تجمعهما رابطة الدم الأنجلوساكسونية.
4- بالنسبة للحركات المسلحة كلها ليست لها مشكلة مع انجلترا كدولة مضيفه أو راعية، ولكن مشكلتها مع بعضها البعض، ولعلنا نذكر ان السبب الحقيقي الذي حال دون حضور حركة عبد الواحد محمد نور ود. خليل محمد رئيس حركة العدل إلى ليبيا هو اعتماد الوسطاء لحركات دارفورية تعتبرها الحركتان الرئيسيتان حركات ورقية أو ظواهر صوتية.وعليه، فإذا تركنا مخاوف حكومة الخرطوم جانبا فإن العرض البريطاني أيضا معرضة للرفض والفشل من قبل الحركات الكبيرة وبدأت الطريقة التي فشلت بها مفاوضات سرت، وعليه فما لم تضع الأممالمتحدة معايير واضحة ومقبولة للحركات التي يسمح لها حضور أي مفاوضات، فإن الاقتراح البريطاني سيفشل أسوة بالتجربة الليبية.