فيما يعد استمرارًا للعرقلة الأمريكية لمسيرة الوحدة الوطنية الفلسطينية نقلت وكالة (رويترز) عن مسئولين فلسطينيين قولهم: إن القنصل العام الأمريكي في مدينة القدسالمحتلة جيكوب والس نقل رسالةً إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مفادها أنه يتعيَّن إلغاء اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية مع حركة المقاومة الإسلامية حماس أو تعديله، بحيث يفي بالشروط الثلاثة التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية لعدم استمرار الحصار المفروض على الحكومة حاليًا بعد تشكيل الحكومة القادمة، وقد جاءت مطالبات القنصل الأمريكي لعباس خلال لقاء عقده القنصل أمس السبت 16 سبتمبر مع عدد من المسئولين الفلسطينيين. وبعد تلك الاجتماعات قال الناطق الرسمي باسم حركة فتح أحمد عبد الرحمن: إن رئيس السلطة الفلسطينية قرَّر تجميد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وإن كان قد أشار إلى أن ذلك يأتي بسبب ما وصفه ب"التصريحات المتضاربة" من جانب قيادات حركة حماس.
ويُلقي هذا التزامن بين المطالب الأمريكية وبين موقف تصريحات الناطق باسم حركة فتح بالشكوك حول وجود تدخلات أمريكية في مسيرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي في طريق الاتفاق على برنامج سياسي فلسطيني موحَّد، ويرمي الأمريكيون من ضغوطهم على حركة حماس- التي تقود الحكومة الحالية وستقود القادمة- إلى دفع الحركة إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني والتخلي عن سلاح المقاومة والاعتراف بالاتفاقات الموقَّعة مع الكيان، ويفرض الصهاينة والأمريكيون والأوروبيون والأمم المتحدة في سبيل ذلك عقوبات على الحكومة لتحقيق ذلك الهدف، إلا أن حماس رفضت تلك الشروط، معتبرةً إياها تنازلاً مجانيًّا، وشدَّدت على ضرورة اعتراف الكيان الصهيوني والغرب بالحقوق الفلسطينية واحترام الخيار الديمقراطي الفلسطيني الذي أتى بالحركة لرئاسة الحكومة.
إلى ذلك نقلت وكالة (رويترز) عن المستشار الإعلامي لرئيس السلطة الفلسطينية نبيل عمرو إعلان محمود عباس تجميد المحادثات بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وذلك بعد تصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية التي أكَّدَ فيها أنَّ حماس لن تقبل بالاتفاقات الموقعة مع الكيان الصهيوني، مستندًا إلى أنَّ وثيقة الوفاق الوطني التي يتم تشكيل حكومة الوحدة بشأنها لا تتضمن بنودًا بشأن الاعتراف بالاتفاقات.
وفي توضيحات من جانبه لقناة (الجزيرة) الفضائية قال عمرو إنَّ تلك التصريحات- تصريحات هنية- قد جاءت في وقت وصفه ب"الحساس" بسبب تزامنه مع زيارة عباس إلى الولاياتالمتحدة، مُشيرًا أيضًا إلى أن ملفات مثل ملف الجندي الصهيوني الأسير لدى المقاومة الفلسطينية أدَّت إلى تجميد تلك المحادثات، وقلل عمرو من إمكانية تأثير تلك الخطوة على أجواء الوفاق الوطني الفلسطيني!!
وفيما قد يُعتبر حلقةً من الضغوط الأمريكية والصهيونية على رئيس السلطة الفلسطينية نقلت وكالات الأنباء عن المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو قولها إنها لا تستطيع أن تؤكد أو تنفي التخطيط لعقد لقاء بين عباس وبين الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، مشيرةً إلى أن برنامج مواعيد البيت الأبيض يُظهر "أن بوش سيكون موجودًا في نيويورك حتى منتصف نهار الأربعاء تقريبًا"، ويأتي ذلك تعليقًا على ما أعلنه كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات من أن الرئيس الأمريكي سيلاقي محمود عباس الأربعاء القادم على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما لم يؤكد الصهاينة إمكانية عقد لقاء بين عباس ووزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني على هامش الجمعية العامة، وهو ما أعلنه أيضًا عريقات؛ حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصهيونية مارك ريجيف إن تسيبي ليفني ستحضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه أضاف "ليس لديَّ ما أُعلنه في هذه المرحلة".
ويشير المراقبون إلى أن تلك التطورات السياسية في الأراضي الفلسطينية تُعبِّر عن وجود رهانات من بعض القوى السياسية الفلسطينية على الخارج، وهو ما قد حذرت منه حركة المقاومة الإسلامية حماس، مشددةً على ضرورة أن تكون الأُطُر التي تستند إليها حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية قائمةً على التوافقات الداخلية لا على الإملاءات الخارجية، وذلك في تعليق على مطالبة رئيس الحكومة البريطانية توني بلير- خلال زيارته الأخيرة للأراضي الفلسطينية- بتشكيل حكومة الوحدة على أساس مطالب اللجنة الرباعية الدولية.
وارتباطًا بين ملف الحكومة وملف الجندي الصهيوني جلعاد شاليت الأسير لدى المقاومة الفلسطينية قال رئيس السلطة الفلسطينية إنه لا تزال هناك قضايا في حاجة لأن تُحَلّ قبل تشكيل الحكومة، من بينها الإفراج عن الجندي الصهيوني مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وكان رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية قد أوضح أمس وجود "حراك كبير" في ملف الجندي شاليت، لكنه أكد صعوبة القول ب"وجود أشياء محددة في هذا الموضوع".
كانت المقاومة الفلسطينية قد أسَرت الجندي الصهيوني جلعاد شاليت في عملية "الوهم المتبدد" التي قادتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس يوم 25 يونيو الماضي؛ وذلك بهدف لفت أنظار المجتمع الدولي لقضية الأسرى الفلسطينيين لدى الكيان الصهيوني، إلا أن القوى الدولية طالبت الفلسطينيين بإطلاق غير مشروط لسراح الأسير دون أن تشير إلى ملف الأسرى الفلسطينيين، بَيد أن تطورات الحرب الصهيونية على لبنان دفعت الصهاينة للدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين حول تبادل للأسرى.
وفي محاولة من الفلسطينيين للرد على العدوان الصهيوني الذي تلَى أسر الجندي أطلقت المقاومة الفلسطينية اليوم الأحد صاروخين على بلدة سديروت بجنوب الكيان الصهيوني؛ الأمر الذي أدى إلى إصابة صهيوني واحد بجروح وفق ما نقلت وكالة (رويترز) عن الجيش الصهيوني دون أن تعلن أية جهة مسئوليتها عن إطلاق الصاروخَين.