قديما قال المهلب بن أبي صفرة: "إن من آفة الرأي أن من يراه غير من يملكه". والمعنى أن أهل الخبرة غير أصحاب القرار. هذا المعنى ينطبق تماما على استقالة الأدميرال ويليام فالون قائد المنطقة المركزية الأمريكية على خلفية قرع طبول الحرب ضد إيران، ذلك أن أهل الاختصاص يدركون تماما مدى تعقيدات دخول أمريكا في حرب جديدة بينما جيوشها غارقة في وحل العراق وأفغانستان. وسواء أكان فالون قد استقال أو أقيل فإن الاستنتاج يبقى واحدا وهو أن الإدارة الأمريكية تعد لحرب جديدة ضد إيران هذه المرة خاصة وأن فالون كان سيحال للتقاعد هذا الصيف ولا معنى لخروجه الآن سوى أنه يقف حاجزا دون تهور الإدارة الأمريكية نحو حرب جديدة. فإذا أضفنا إلى هذا تحريك عدة قطع بحرية أمريكية لترابض أمام السواحل السورية اللبنانية لأدركنا على الفور أن هذه المرابضة ليست نزهة بحرية. من الواضح إذن أن أمريكا تريد إقامة محطة بحرية لحماية إسرائيل من الصواريخ الإيرانية أو السورية أو صواريخ حزب الله، سواء أكانت هذه الحماية بالتشويش على هذه الصواريخ لتحيد عن هدفها أو بإطلاق صواريخ مضادة أو بالتجسس والرصد. فإذا انضم إلى هذا كله زيارة ديك شيني إلى المنطقة والتي تستغرق عشرة أيام لرجح لنا هذا الاحتمال. لقد عودنا شيني أن زياراته لا تمهد إلا للعدوان ونتذكر جولته التي سبقت حرب الكويت حين كان وقتها وزيرا للدفاع، تلك الزيارة التي تزامنت مع حشد القوات الأمريكية قرب الحدود الكويتية مع قوات عدد من البلدان التابعة سواء في المنطقة أو في العالم. إن إسرائيل تدرك تماما أنها لا تستطيع شن الحرب وحدها وترى أن تقدم إيران وما تحمله من نموذج لباقي شعوب الأمة يمثل الخطر الأكبر عليها، ولا يعني إسرائيل بعد ذلك إن ذهبت أمريكا إلى الجحيم، وربما خططوا هذه المرة لجر المنطقة إلى حرب لا تكون إسرائيل هي البادئة بها ثم تدعي إسرائيل أنها تدافع عن وجودها وتتدخل أمريكا لحمايتها ومثل هذا التدخل في هذه الحالة لن يعارضه أحد من الطبقة السياسية في أمريكا لأن أمن إسرائيل يعد بالنسبة لهم مطلبا ضروريا. وربما يحدث العكس فتبدأ إسرائيل ثم تقف بجانبها أمريكا بدعوى حمايتها، وأيا كان فإن هذه الاحتمالات لن تتأخر أكثر من عدة شهور أي قبل نهاية هذا الصيف. أنا عن نفسي لا يقلقني احتمال الحرب، بل بالعكس ستكون مدعاة للتفاؤل لأنها ستسارع بالتغيير المتوقع في المنطقة وفي العالم. إن كل قوة إنسانية وكل طاقة إنسانية محدودة بمعنى أن لها مدى لا تستطيع تجاوزه وإلا انتهت ودمرت نفسها ليس فقط للقاعدة الكونية الرئيسية في التوازن بحيث إذا طغت قوة فسوف تستدعي تلقائيا قوى مضادة تقف إزاءها؛ بل وأيضا لأنها إذا تجاوزت حدودها تبعثرت وضعفت وتلاشت. أمريكا الآن في حرب في العراق وأفغانستان وحرب بالوكالة في فلسطين والصومال فإذا فتحت جبهات جديدة تحللت قواها. القوة تغري بالاندفاع والاندفاع في النهاية يؤدي إلى تحطمها. وبالنسبة لحالتنا هذه فإنه يدور مع أمريكا أنظمة الخيانة في بلاد المسلمين، وهذه الأنظمة بلغت حدا من التعفن لا بد معه من أن تتحلل فلطالما وقفت مع العدو ضد شعوبها، مصر تبيع الغاز لإسرائيل بخمس الثمن في الوقت الذي تشترك فيه مع إسرائيل في حصار غزة، وتسمح فيه بمرور البوارج الأمريكية من قناة السويس لضرب العراق، وتقدم مطاراتها ومجالها الجوي للطيران الأمريكي لضرب العراق. قيادة القوات الأمريكية كانت في السعودية والآن في قطر، والقوات التي هاجمت العراق تمركزت في الكويت وانطلقت منها لمهاجمة العراق، هذه الأنظمة تحتمي من شعوبها بأمريكا فإذا سقطت أمريكا سقطت معها. الاقتصاد الأمريكي يقوم على أموال النفط المستخرج من الخليج والموضوع في مصارف أمريكا وانهياره بفعل الحروب المتواصلة يؤدي إلى إحدى نتيجتين أو إليهما معا إما أن تضيع الأموال العربية في المصارف الأمريكية مع انهيار الدولار وإما أن تمتنع تلك البلدان عن الاحتفاظ بأموالها هناك والنتيجة في الحالتين هي مزيد من الانهيار للاقتصاد الأمريكي والدول المرتبطة به. إن حملة البذاءة ضد الإسلام ورموزه في الغرب ترتبط بهذا المخطط الصهيوأمريكي لإثارة فتنة وكراهية تستطيع معها أن تجذب أوروبا للوقوف معها في حربها هذه ضد الإسلام. إن ضخامة الكيد لا ينسينا أن النصر دائما للمتقين وأن كيد الشيطان كان ضعيفا هم يريدون أن يواجهونا فرادى حتى يجهزوا علينا واحدا بعد الآخر فهل نعي هذه الحقيقة ونواجههم كأمة واحدة؟ بل وأكثر من ذلك هل يتعاطف المستضعفون جميعا رغم اختلاف مللهم لمواجهة الطغيان؟ أليست هذه الحرب كفيلة بإيقاظ الروح روح المقاومة؟ إن العدوان يقترن دائما بالمقاومة والطغيان بالتحدي فهل من مجيب؟. هم يريدونها نارا لكن الله فعال لما يريد ومن لطائف حكمته أن يحرقهم بنارهم، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم، ومن لطائف حكمته أن يكون رئيس أمريكا أحمقا، وأن يحيط به الحمقى من كل جانب، وألا يترك عاقلا إلا أقصاه. ليس كل الناس يلتزم بسنن العدل والإنصاف طواعية واختيارا بل يسير الكثيرون وراء الباطل انتفاعا أو خوفا أو التباسا. فقد أخرج البخاري، وأحمد عن حذيفة: "إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق فمن أدرك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد". ونحن مأمورون بأن نأخذ ناره، ونترك جنته. والمغزى واضح؛ فإن جنته هي إغراءاته من الملهيات والشهوات التي تمكن له من استعبادنا والتحكم في رقابنا، وناره هي السلاح الذي يساعدنا في منازلته ومقاومته والقضاء عليه. ومن هنا اقتضت الحكمة أن تظهر الحقيقة واضحة لكل أحد من وقت لوقت حين يرى الناس سقوط الباطل واندحاره ]لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[ ( 42/الأنفال). الاثنين, 10 ربيع الاول, 1429 [email protected]