مرت مظاهرات الرابع والعشرين من أغسطس بما لها وما عليها . اتفقنا معها أو اختلفنا حولها . أيدناها أو عارضناها ليس هذا هو المهم ، لكن الأهم أن هناك خللاً وشرخا وإرتباكا ومجتمعا أوشك علي الانقسام . وإحساس بدأ يتولد ولو لدي قلة بأن مصر في أزمة حقيقية ، وأن ما نعيشه الآن ليس له علاقة بالتغيير الذي نادت به ثورة يناير العظيمة .لم تكن تلك التظاهرات بالحجم والضخامة التي قد تزعج أو تهز أركان نظام قائم ، لكنها أيضا تبعث في داخلها رسالة قوية بأن هناك من الشعب متحفظون وغاضبون من مسيرة الدولة بهذا الشكل تحت حكم الإخوان المسلمين وهو الأمر الذي ينبغي الإلتفات إليه وسرعة ترتيب الأوراق وتحديد المطالب والغايات .دعونا نتفق أولاً وقبل أي شئ علي أن الأعداد القليلة التي خرجت للتظاهر 24 أغسطس لا تعني أن البقية الباقية من الشعب والتي لم تخرج معهم راضون عن الوضع الحالي ، بل إن هناك ظروفاً وأولويات قد فرضت علي كثيرين مراعاة الظرف الراهن والرغبة في الاستقرار بعض الشئ وإعطاء بعض الفرصة وهو ما يجب أن يلتفت إليه الرئيس ومساعدوه ويضعونه نصب أعينهم وينظروا له بعين الاعتبار.الحقيقة أن هناك جو من عدم الثقة بين كل أطراف اللعبة السياسية وتخوفات وتحفظات من بعض المصريين حول ما انتهت إليه الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية الأخيرة وما يتم من إعداد لدستور جديد ، وذلك نتيجة بعض المواقف والقرارات والتصريحات السلبية والتي شعر من خلالها كثير من المصريين بحالة من القلق والإنزعاج ، مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين ، والعلاقة مع حماس ، والسعي شبه المنظم للسيطرة الإخوانية علي مؤسسات الدولة ، وغيرها.إن هذا المشهد المصري المرتبك يتطلب من الرئيس وحزبه أن تكون هناك رسائل طمأنينة للمصريين علي المستويين الداخلي والخارجي سواء فيما يتعلق بشئوننا وأوضاعنا في مصر أو ما يتعلق بمعاهداتنا واتفاقياتنا والتزاماتنا الدولية ، ولابد من وقفة جادة مع أنفسنا لتحديد أهدافنا وفهم ما يحدث في مصر قبل أن نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة ونعود لنقطة الصفر من جديد.وإن جماعة الإخوان المسلمون والتي فازت بالأغلبية البرلمانية وأصبح لها رئيس شرعي منتخب يحكم مصر أياً كان مؤيدوه أو معارضوه ، فإن هذه الجماعة المهيمنة علي الساحة السياسية لا سبيل لتنحيتها وإبعادها إلا بالطريقة التي دخلت لنا من خلالها وهي صناديق الانتخابات وإرادة الشعب التي تعتبر الفيصل الأول فيما يدور علي أرض مصر.وعلي الرئيس أن يدعو فوراً لحوار مجتمعي حقيقي من أجل لم الشمل والوقوف علي أولويات ومقتضيات المرحلة الراهنة ومعرفة مطالب جموع المصريين والبدء في تنفيذها طبقاً لأولويتها ،وأيضاً لمؤتمر قومي لدعم الاقتصاد المصري بمشاركة خبراء الاقتصاد الدوليين ، وإلا سوف تظل النيران موقدة تحت الرماد مستعدة لأن تشتعل في أي لحظة وتحرق الجميع ونبقي طويلا نبكي علي اللبن المسكوب .