«غدًا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطأون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز» بهذه الكلمات خاطب الحسن الثاني ملك المغرب الراحل جموع الشعب المغربي في 5 نوفمبر سنة 1975 والتي تطوعت للخروج والمشاركة في «المسيرة الخضراء»، أكبر مسيرة سلمية في التاريخ لحمل إسبانيا على تسليمها إقليم الصحراء المتنازع عليه، وهو إقليم شبه حضري مستقل كان واقعا تحت الاحتلال الإسباني. قضية الصحراء الغربية طالب المغرب بأحقيته في فرض السيادة على هذه المنطقة، وبالمثل، حاولت موريتانيا الواقعة إلى الجنوب أن تبرهن على أن هذه المنطقة تتبع في الأصل الأراضي الموريتانية. ومنذ عام 1973، شنت جبهة «البوليساريو» المدعومة من قبل الجزائر حرب عصابات صحراوية كان الهدف منها مقاومة السيطرة الإسبانية على الصحراء، وفي أكتوبر من عام 1975، شرعت إسبانيا في إجراء مفاوضات مع قادة حركة التمرد للنزول عن السلطة وسط أجواء هادئة في مدينتي العيون وفي الجزائر العاصمة في اجتماع ضم وزير الخارجية الإسباني بيدرو كورتينا إي موري والوالي مصطفى السيد رئيس الجبهة آنذاك. من جانبها طالبت الحكومة المغربية بأحقيتها في الصحراء الغربية فأحالت القضية إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها. قرار محكمة العدل الدولية وأقرت محكمة العدل الدولية بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لسلطان المغرب، وكذلك بعض الروابط التي تتضمن بعض الحقوق المتعلقة بالأرض الواقعة بين موريتانيا والقبائل الصحراوية الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، أقرت المحكمة الدولية أيضًا أنه لا توجد أي روابط تدل على السيادة الإقليمية بين الإقليم وبين المغرب أو موريتانيا وقت الاستعمار الإسباني، وأن الروابط المذكورة سلفًا لا تكفي بأي حال من الأحوال بمطالبة أي من الدولتين بضم الصحراء الإسبانية إلى أراضيها. وبدلًا من ذلك، قضت المحكمة الدولية بأن السكان الأصليين «أهل الصحراء» هم مالكو الأرض؛ وبالتالي، فإنهم يتمتعون بحق تقرير المصير، وبغض النظر عن ماهية الحل السياسي الذي سيتم التوصل إليه بشأن فرض السيادة على الإقليم «سواء أكان ضم الإقليم إلى إسبانيا أو المغرب أو وموريتانيا أم تقسيمه فيما بينهم أم حصوله على الاستقلال التام»، فإنه لا بد أولًا من الحصول على موافقة صريحة من سكان الإقليم لتفعيل ذلك الحل. وما زاد الأمر تعقيدًا أن بعثة زائرة تابعة للأمم المتحدة أعلنت في 15 من شهر أكتوبر1975، أي قبل يوم واحد من إعلان حكم محكمة العدل الدولية أن تأييد أهل الصحراء للحصول على الاستقلال جاء بأغلبية ساحقة. وعلى الرغم ما سبق، اعتبر ملك المغرب الحسن الثاني روابط الولاء بين أهل الصحراء ومملكة المغرب والتي أشارت إليها المحكمة الدولية آنفًا بمثابة تأييد لموقفه دون أية إشارة علنية إلى قرار المحكمة بشأن حق تقرير المصير. جدير بالذكر أنه بعد مرور سبع سنوات على هذا الأمر، وافق الحسن الثاني رسميًا على إجراء استفتاء شعبي أمام منظمة الوحدة الأفريقية. تنظيم المسيرة وفي غضون ساعات من صدور حكم محكمة العدل الدولية، أعلن الحسن الثاني تنظيم «مسيرة خضراء» إلى الصحراء الإسبانية من أجل «إعادة ضمها إلى الوطن الأم». ففي 16 أكتوبر 1975، أعلن الحسن الثاني عن تنظيم هذه المسيرة الشعبية التي مكنت الشعب المغربي من استرجاع أقاليمه الصحراوية، وذلك بعد تأكيد محكمة العدل الدولية بلاهاي في رأيها الاستشاري أن الصحراء لم تكن يوما «أرضا خلاء»، وأنه كانت هناك روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وبين الصحراء. وبعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بلاهاي، الذي يشكل اعترافا بشرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه من الاستعمار، قرر الملك الحسن الثاني في نفس اليوم، تنظيم مسيرة خضراء بمشاركة 350 ألف مغربي ومغربية. وأعلن الحسن الثاني، في خطاب موجه للشعب، عن تنظيم هذه المسيرة، حيث قال «بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن، واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمارلم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه». انطلاق المسيرة وفي السادس من نوفمبر عام 1975، انطلقت من مدينة طرفاية الواقعة جنوب المغرب جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، ومن سائر ربوع الوطن، حيث سار 350 ألف مغربي ومغربية 10% منهم نساء، إضافة إلى مشاركة كل من سفراء المملكة العربية السعودية، الأردن، قطر، الإمارات، سلطنة عمان، السودان، الجابون، وفد من السنغال، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. تسلح المتطوعون في المسيرة بالقرآن، كما اتُخذ اللون الأخضر لوصف هذه المسيرة كرمز للإسلام، ولم يُحمل خلالها أي سلاح، تأكيدًا أنها مسيرة سلمية، وانطلقت المسيرة، وعبرت المسيرة الخضراء حدود الصحراء، تحت ردود فعل عالمية وإقليمية متباينة، فأعلنت الجزائر رفضها للمسيرة، أما إسبانيا عارضت المسيرة، وطلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن لمواجهة هذه المسيرة، كما أعلنت بهتانا وكذبا من خلال مندوبها في مجلس الأمن، أن المسيرة الخضراء ليست مسيرة سلمية، بل هي زحف عسكري مسلح، ولذلك فقد حركت أسطولها البحري إلى المياه الإقليمية المغربية؛ لإجبار المغرب العدول عن تنفيذ المسيرة، كما أعلنت أنها أعدت حقول ألغام في الصحراء الغربية. عودة الصحراء وأثار هذا التصرف الإسباني ردود فعل عالمية، وأدى نجاح المسيرة الخضراء، على المستوى الشعبي والإقليمي والعالمي، إلى إعادة التوازن في الموقف الإسباني تجاه المشكلة، فبعد أن توغلت المسيرة لمسافة 15 كم داخل إقليم الصحراء المغربية، وبعد أربعة أيام على انطلاق المسيرة بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل يضمن للمغرب حقوقه على أقاليمه الصحراوية وفي 14 نوفمبر 1975 وقع المغرب وإسبانيا وموريتانيا اتفاقية، استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.