بجانب الفساد والإستبداد وزواج السلطة والثروة ، وأيضاً السلاح ، هناك قواسم مشتركة آخرى كثيرة بين حكامنا العرب أبرزها الديماجوجية والإنتهازية ، وقد تجلت تلك السمة الأخيرة واضحة فى تصرفات وردود فعل الرئيس السورى بشار الأسد عندما أوعز ، بطبيعة الحال ، إلى معاونيه فيما يسمى بالقيادة القطرية لحزب البعث السورى ، بتحريك وحشد مسيرات ومظاهرات جماهيرية مؤيده له حيث يفهم من ذلك أن هناك ، و فى المقابل ، فى الشارع السورى ، حشود ومسيرات جماهيرية مناهضة له ...! والواقع ، والحقيقة ، غير ذلك تماماً حيث أن الجماهير التى خرجت فى مدينة درعا السورية الحدودية ، وغيرها فى المدن السورية الآخرى ، خرجت لكى تنادى فقط ببعض الإصلاحات السياسية الجزئية ، ومنها إلغاء قانون الطوارىء . و يفترض أنه لا يختلف على تلك الإصلاحات البسيطة أحد حتى من داخل النظام السورى نفسه بدليل أن السيدة المستشارة الإعلامية لبشار الأسد ، وهى جزء من النظام ، رحبت بتلك المطالب فى مؤتمر صحفى حاشد فى أعقاب تساقط عشرات القتلى من المتظاهرين سلمياً فى درعا، وقالت إن تلك المطالب هى موضع إهتمام وتقدير القيادة السورية ، و إنه جارى تلبيتها ومن ثم لم يناد المتظاهرين بإسقاط النظام أو برحيل بشار الأسد ، بل إنها أى الجماهير قد طلبت من بشار الأسد نفسه أن يقوم هو بتلك الإصلاحات ، وعلى طريقة الكاتب المسرحى السورى الراحل سعد الله ونوس فى مسرحيته " الفيل يا ملك الزمان "... مع بالغ تقديرنا وإحترامنا للشعب السورى العظيم . ولكن خروج تلك المظاهرات المضادة ، والمؤيدة لبشار الأسد ، يعد بالفعل سؤ تقدير للموقف من قبل القيادة السورية ، وكأنى بها تستثير الجانب الآخر ، وهو المعارضة السورية ، إلى رفع سقف مطالبها لكى تنادى بعدئذٍ بإسقاط التظام ورحيل حافظ الأسد ، لكى تأتى الجماهير المؤيدة له فى المقابل وتنادى ببقاءه ، وهو ما قد يحدث بالفعل خاصةً بعد أن سفكت عمداً دماء العشرات من المتظاهرين سلمياً . وفى اليمن نرى نفس الصورة تقريباً مع إختلاف فى بعض التفاصيل ، حيث حشد على عبد الله صالح مئات الألوف فى جمعة أسماها هو جمعة التسامح ، مقابل جمعة الرحيل التى حشدت لها المعارضة الملايين ، ثم يخطب عبد الله صالح فى حشوده ، وفى مشهد ديماجوجى فج ، قائلا ما معناه ؛ إنه لايريد سلطة ، وإنه زاهد فيها ، ويريد أن يحقن الدماء ويسلم السلطة إلى أيدى أمينة ..."... والسؤال هو ؛هل بتلك الحشود المليونية التى حشدها الرئيس اليمنى فى مقابل الحشود المليونية الآخرى التى حشدتها المعارضة ، تدل عملياً على أن عبد الله صالح يريد أن يحقن الدماء ، أم يريد أن يؤجج الصراع ويسفك الدماء ...؟! والإجابة معلومة لكل الأطراف ، ولكل مراقب ، بطبيعة الحال ، و المشهد برمته يبدو وكأن صالح كالأسد ، وكالقذافى ، وكما أعلنها مبارك من قبل يشهر مسدساً فى وجه شعبه قائلاً له إما أنا أو الفتنة والحرب الأهلية ، أو الحرب القبلية . وقد تجلت إنتهازية القذافى هو الأخر بجانب ديماجوجيته بطبيعة الحال عندما فوجىء بإنسلاخ جل الشعب الليبى عنه ، وخروج الجماهير الليبية فى مسيرات ومظاهرات سلمية حاشدة فى كل أنحاء ليبيا ، من شرقها إلى غربها ، تنادى بإسقاط النظام ورحيل القذافى وعائلته عن ليبيا فخرج سيف الإسلام المختفى الآن يتوعد الشعب الليبى بسؤ العاقبة إذا لم يتوقفوا عن مظاهراتهم المناهضة للأخ العقيد وعائلته . وبعدما خرجت الأمور عن سيطرة العقيد، وإلتحق العديد من قواد الجيش والشرطة والوزراء بالثورة الليبية وإلتحموا مع الشعب الليبى ، وبدأ الثوار فى الزحف نحو طرابلس لتحريرها من بطش العقيد ، حاول القذافى إستمالة العالم أجمع ، وخاصة الغرب ، فى صفه من أجل ذبح الشعب الليبى ، وذلك بإدعاءاته بوجود إمارات إسلامية فى العديد من المدن الليبية والتى يسيطر عليها الثوار يديرها ، أويحكمها ، تنظيم القاعدة . وكان القذافى يظن أن الغرب ، وخاصة الولاياتالمتحدة سوف تهب فوراً لنجدته وتزوده بالسلاح والعتاد ، وربما أيضاً بالرجال ، أو الجنود ، للقضاء على تلك القاعدة ، بينما كان قصده هو فقط قمع وذبح الشعب الليبى الذى تجرأ وتمرد على حكمه ...! ثم خرج علينا بعدئذٍ ، وفى مقابلة له مع فضائية تركية ، يقول أن نظامه نجح فى منع الهجرة غير الشرعية نحو أوربا، وحال دون أن يتحول وجه أوربا إلى اللون الأسود ، وأن نظامه القوى هو الذى ينشر السلام فى المتوسط ، وعلى كافة الدول التى تقع على سواحل المتوسط بما فى ذلك ما يسمى بدولة إسرائيل . وهذا يعنى إنه حاول أن يستميل حتى إسرائيل ، ومن ثم حلفائها ، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة ، فى صراعه مع الشعب الليبى ، وربما كان هناك إستجابة إسرائيلية ما لمغازلة القذافى لها إتضحت فى التحول المفاجىء لسير المعارك التى خاضها القذافى ضد شعبه ، وبعد أن تخلى عنه العديد من كتائب ولواءات الجيش بأسلحتهم وجنودهم . وبعد أن تيقن الجميع أن القذافى ساقط لا محالة،وأن ساعة محاسبته على ما إقترفه من مذابح فى حق شعبه قد حانت ، فإذا بنا نفاجىء بالكتائب الأمنية التى تتبع القذافى تتجه شرقاً وغرباً وتحقق نصراً ولو جزئياً وتسيطر أو تستعيد العديد من المدن والمواقع التى كان يسيطر عليها الثوار ، ثم تتغول بعدئذ إلى قلب بنغازى ، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بمساعدة خبراء عسكريون متمرسون بالفعل ، ومن غير المستبعد أن يكون هؤلاء الخبراء إسرائيليون ...! وعندما لم تفلح محاولات القذافى فى إستمالة الغرب فى صفه ، وشن الأخير ، وبقرار من مجلس الأمن ، هجوماً على كتائبه الأمنية التى أوسعت الليبيين قتلاً ودماراً ، وفى إنتهازية وديماجوجية فجة معاً ، أعلن القذافى أن أوروبا والولاياتالمتحدة يشنون حرباً صليبية على ليبيا ، وأن على شعوب العالم الإسلامى أن تستنفر لجهاد الصليبيين ومساعدة ليبيا فى مواجهة الغزو الصليبى ، ومن ثم مساعدة ليبيا فى القضاء على المعارضة الليبية لنظام القذافى الخائنة ، و التى تتحالف الآن مع الصليبيين ، ومع الغزو الصليبى ضد ليبيا ...! وأظن أن جل قادتنا العرب هم من أكثر ما فى شعوب العالم خطورة على دولهم و شعوبهم من ناحية،وعلى السلم والأمن الدوليين من ناحية آخرى ، ومن ثم فيجب التعامل مع كل ما يصدر عنهم من تصريحات وبيانات ، وحتى رؤى ، بمنتهى الحيطة و الحذر . نقلا عن مدونة شروخ وطن لمجدى الحداد