على مدار مائة يوم من حكم الدكتور محمد مرسى شهدت الحركة العمالية نمواً مطرداً فى الحركة الاحتجاجية كان محركها الأساسى المطالبة بأجور عادلة ومواجهة الفساد المستشرى فى مؤسسات الدولة. لم تتعامل الحكومة مع الحركات الاحتجاجية للعمال بالشكل الذى يليق بحكومة جاءت فى أعقاب ثورة، ولكن تم مجابهة الحركة الاحتجاجية بنفس أساليب النظام البائد الذى ثار عليه الشعب المصرى ابتداءاً بتشويه الإضرابات العمالية وتشويه صورة قيادتها من خلال الصحف المملوكة للدولة، مروراً بفصل القيادات النقابية والتحقيق معهم من قبل النيابة، انتهاءاً بإصدار أحكام بالسجن على قيادات النقابة المستقلة للعاملين بشركة تداول الحاويات بمحافظة الإسكندرية. وعلى مستوى البنية القانونية فى عهد الدكتور/ محمد مرسى الذى أعطاه إعلانه الدستورى سلطة التشريع بالإضافة إلى سلطات تنفيذية كثيرة، ظلت القوانين المقيدة للحريات النقابية على حالها، بل طرحت الحكومة مشاريع قوانين معادية للحريات تضاف لترسانة القوانين التى ورثناها عن العهد البائد، حيث عاد قانون الطوارئ مرة أخرى بمشروع وزير العدل، وقانون تقييد الحق فى التظاهر بمشروع تم إنتاجه فى وزارة الداخلية، وكان الأسوأ التعديلات المقترحة من وزير القوى العاملة لإدخال تعديلات على قانون النقابات العمالية 35 لسنة 76 وإرجاء إصدار قانون الحريات النقابية. ولا ينفصل هذا المنهج المعادى للحريات النقابية عن التوجهات الاقتصادية التى انتهجها النظام خلال المائة يوم الماضية عن ذات النهج الاقتصادى المعادى لحقوق العمال والفقراء من خلال تطبيقه لسياسة حرية السوق دون أى بعد اجتماعى.
فعلى الرغم من مشاركة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم الحرية والعدالة فى الشهور الأولى التى أعقبت قيام الثورة المصرية فى مناقشة قانون الحريات النقابية، وإعلانهم الدائم وقتها إنهم مع حقوق العمال فى إنشاء نقاباتهم المستقلة بحرية تامة، إلا إنه وبالتدريج بدأ التراجع عن هذه الوعود بمجرد أن بدأت تدوم لهم السيطرة على مقاليد الأمور.. فعلى الرغم من فوزهم بالأغلبية فى البرلمان المنحل، إلا أن قانون الحريات النقابية الذى تمت عرقلته فى أدراج المجلس العسكرى لشهور طويلة، عاد ليتم عرقلته مرة أخرى فى دهاليز مجلس الشعب الإخوانى الأغلبية.. لتلوح فى الأفق بوادر عدم رغبة الإخوان وحزبهم فى منح العمال الحرية النقابية التى طالب بها العمال بشكل عملى فى إنشاء نقاباتهم المستقلة التى فاق عددها أكثر من 1200 نقابة مستقلة حتى الآن. ثم جاءت معركة الانتخابات الرئاسية لتحسم لصالح مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسى فى نهاية شهر يوليو الماضى، حيث بدأت بعدها المراوغة خاصة مع تولى خالد الأزهرى الإخوانى منصب وزير القوى العاملة والهجرة. ومع انتهاء الدورة النقابية يتسرب من سراديب وزارة القوى العاملة مشروع بتعديل ثمانية مواد من القانون 35 لسنة 1976 هذه المواد تطيح بأعضاء الحزب الوطنى الذين تجاوزا سن الستين وتأتى بالإخوان وأعضاءهم. وقد حصلنا على نسخة من القانون المؤامرة الذى تم إعداده من قبل وزارة القوى العاملة لتعديل قانون 35 لسنة 1976، ومد الدورة النقابية والذى سيتم بموجبه إجهاض فكرة تشكيل النقابات المستقلة والإطاحة بأعضاء مجالس إدارات المنظمات النقابية ممن تجاوزوا سن الستين..حيث تم تقديمه بالفعل إلى مجلس الوزراء يوم 3 أكتوبر الماضى.. فهو مكون من 8 مواد وهى "تلغى المادة رقم 23 من قانون 35 لسنة 1976 بإصدار قانون النقابات العمالية، وتعديل نص المادة رقم 42 من قانون 35 لسنة 1976 وبناء عليها يعفى كل من أحيل للتقاعد بسبب العجز أو الإحالة للمعاش بسبب السن القانونى قبل أو بعد إصدار هذا القانون، وإذا خلا محل أحد أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية لأى سبب يحل محلة المرشح التالى فى عدد الأصوات، وإذا كان أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية قد فازوا بالتزكية يستمر المجلس فى مباشرة نشاطه ولو نقص عدد أعضائه عن النصف فإذا كان العدد الباقى من الأعضاء لا يستكمل هيئة مكتباً لمنظمة نقابية يصدر الوزير المختص استكمال بقرار منه؟ يعدل نص المادة 52 من قانون سنة 35 لسنة 1976 بحيث يصبح على المنشأة التى يعمل بها العامل بناء على طلب كتابى منه أن تستقطع من أجره قيمة اشتراكه فى المنظمة النقابية ولا يجوز للعامل الجمع بين عضوية منظمتين نقابيتين، ويستبدل نص المادة 35 لسنة 1976 بحيث يستمر العمل باللوائح المالية الحالية للمنظمات النقابية ولحين إعداد تلك المنظمات للوائحها المعتمدة من جمعيتها العمومية عقب إجراء أول انتخابات، وتلتزم وزارة القوة العاملة والهجرة ومديريتها فى قبول إيداع أوراق التنظيمات النقابية فى المنشأة والمؤسسات التى لا يوجد بها تنظيمات نقابية عمالية، يستمر العمل بقانون النقابات العمالية وفقا لهذا التعديل الأخير لحين صدور قانون الحريات النقابية بالبرلمان، وأخيرا مد الدورة النقابية 6 أشهر". بل ولم يقف الأمر عند ذلك فبدأت على الفور مناهضة الحركة النقابية المستقلة من قبل حكومة الإخوان وعقب تولى الرئيس مرسى رئاسة الجمهورية مباشرة.. لتعود فى خلال المائة يوم الماضية من حكم الرئيس محمد مرسى ذات السياسات السابقة لما قبل قيام الثورة المصرية.. فتعود مواجهة الاحتجاجات العمالية بالعنف وتزداد وتيرة التنكيل بقيادات النقابات المستقلة حتى بلغت ذروتها فى الأيام القليلة الماضية بالحكم بالسجن على بعض هذه القيادات.. هذا التقرير يرصد انتهاكات الحريات النقابية التى رصدناها، والتى جاءت خلال المائة يوم الأولى من رئاسة د/ محمد مرسى، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن توجه حكم جماعة الإخوان المسلمين تجاه ملف العمال لا يختلف عن توجهات حكم النظام البائد..