يفتح السائق المجند باب االسيارة ليخرج منها سعادة الباشا و قد غطت نصف وجهه نظارة ريبان، يمشي منتشياً في ردهات قسم الشرطة الي أن يصل الي مكتبه و يجلس عليه دون أن يخلع النظارة، يفتح التلفاز ليري السيد الرئيس يلوح بيده للجماهير بمناسبة عيد سيناء و قد علت وجهه ذات النظارة، هذا الحاجز الأسود العاكس، الذي يخفي تعبيرات وجه من يلبسها لتكسبه ذلك الطابع الصارم المخيف فاذا بها حاجز نفسي أكثر منه زجاجي و كأن هذه النظارة صارت رمزا لعلاقة السلطة بالشعب من عدم شفافية، و تسلط و استعلاء. و كنت أظن ان هذا الداء قد انتهي برحيل مبارك و رموزه و اذا بنا ندخل في مرحلة جديدة قرر بعض من أفراد الشعب -المقموعون سابقاً -أن يرثوا فيها هذه النظارات السوداء و يتولوا ممارسة نفس مهمة عدم الشفافية فيما يتم من محاكمات. بدأ هذا الأسبوع بخبر التصديق علي حكم اعدام.... لأمين شرطة.. (وهو بالصدفة هارب!!)و هل يفترض بنا أن نفرح لهذا! هل يفترض أن يشفي هذا قلوب الآباء و الأمهات الثكالي، ان كان كبيرهم الذي فعلها يتم تأجيل قضيته بالشهور كلما اجتمعت المحكمة للنظر فيها؟ حتي و ان كان هذا الأمين قد قتل المتظاهرين ماذا عن من حرضه! ان من حرضه لأحق أن يعدم أكثر من مائة مرة.. لماذا هذا التعتيم الهائل علي شخص حبيب العادلي.. و هل يحتاج الأمر الي أدلة كثيرة لادانته، ثم يقولون ان ملف القضية 7000 ورقة، لذلك يتم تأجيل النظر فيها! هل كلما كان الانسان مذنباً كلما تأخر عقابه، ولسان حالهم يقول: ربما يموت قبل أن ننطق بالحكم .. هاتوا فريقا من القضاة، كل واحد يقرأ مائة صقحة! ان مجرد وجوده في موقعه ووقوع ما حدث من قتل و اصابات و هو في منصبه كفيل بادانته هو و محمد حسني مبارك! هل ينفع أن يقول مثلاً "مكنتش أعرف". تروي كتب السيرة جميعاً قصة المرأة المخزومية التي سرقت أثناء فتح مكة، وأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقيم عليها الحد ويقطع يدها، فتوسط أهلها أسامة بن زيد ليشفع لها عند رسول الله (ص). فلما حدَّث أسامة النبيَّ بذلك، تغير وجه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: «أتشفع في حدٍّ من حدود الله». ثم قام فاختطب فقال: «يا أيها الناس، إنما أهلك الذين قَبْلَكُم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعتُ يدها... هل نعدم أمين الشرطة و نترك من أصدر الأوامر لآلاف الأمناء و الضباط؟! هل يعقل أن يظن بعض رجال الأمن أن حبيب العادلي قد صار رمزاً لكرامة الشرطة، فان حوكم سقطت هيبتهم مثلاً! ثم أتي يوم الثلاثاء الينا بخبر حل المجالس المحلية و استبشر الواحد منا خيراً، أن ثمة تقدماً ما يحدث، الا اننا لم نلبث حتي الليل الا و سمعنا بالمكيدة التي دُبرت لأهالي الشهداء بالبالون و ماترتب عليها من مواجهات بميدان التحرير.. وقبل الدخول في التحليلات و التفاصيل، دعوني أسجل دهشتي بل و رعبي من كم الوحشية التي تعامل بها الأمن المركزي و الشرطة مع المتظاهرين البارحة، و أول تعليق جاء بذهني "خرطوش تاني ..يخرب بيت النظارة الريبان"، ألم يكفكم كم العداوات التي خلقتموها مع الناس وقت الثورة كي تعودوا مجددا لتضربوا في المليان و كأني بكم كأرنولد شوارزينجر في فيلم المدمر بنظارته السوداء و وجهه الخالي من التعبير، ناكئين بذلك جرحاً لم يندمل بعد و لن يندمل! يبدو أننا أمام حالة فريدة من الرغبة في الانتقام، حين يصدر للضابط من هؤلاء أمر بعدم استخدام القوة مثلاً الا في الضرورة القصوي الا لأن هذا يحمل ثأراً بينه و بين الشعب الذي نزع منه ثلاثين عاماً من الامتيازات و التعالي علي خلق الله، يقرر أن الضرورة القصوي هي شخص رفع صوته بهتاف ضد الشرطة أو المشير أو حتي ألقي حجراً و اذا بالرد عنيف برصاص مطاطي و خرطوش يفقأ عين هذا و يمزق قدم ذاك! الحق أني لست بصدد البحث عن الحقيقة هنا، فان الأمر تفوح منه رائحة المؤامرة من أنواع مؤامرات الحزب الوطني التي تضيع فيها الحقيقة بسبب العشوائية المقصودة أو براءة اختراعهم: (الفوضي ) ، كان هدف هذه المؤامرة اما فض اعتصام أهالي الشهداء الذين صار وجودهم أمام ماسبيرو ورقة ضغط و علامة استفهام دائمة علي أداء المجلس لعسكري و عما صار في المحاكمات، لن يفلح معها ماتش أهلي و لا زمالك، و اما كان هدفها جر هؤلاء الأهالي الي مواجهة تظهرهم بمظهر مثيري الشغب، و لكن حمدا لله أن أسلوب تعامل الأمن (داخلية، دولة أو وطني سمه ما شئت) كان من الغباء بمكان ليبين لنا أنه كان و مازال العدو الحقيقي بعنجهيته و محاولة حماية من قتلوا المتظاهرين فيه... و اذا ما انتقد أحد أداء وزارة الداخلية قالوا لنا أن الوزير رجل شريف و لم يتهمه أحد بغير ذلك، و لكن هل صار أقصي طموحاتنا أن لا يكون المسئول فاسداً في حين أن طهارة اليد يفترض أن تكون القاعدة لا الاستثناء و يجب أن تكون الكفاءة و القدرة علي ادارة الأزمات هي المعيار الحقيقي.. و هل صار التعالي من بعض صغار ضباط الشرطة و ضرورة أن يحسوا أنهم أسياد الشعب مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم، ألا يمكن لهم أن يبتلعوا كرامتهم و يعترفوا بخطأهم و يخلعوا نظاراتهم العاكسة يوماً لنري أعينهم و بها دموع الندم؟! كتب بيرم التونسى من 70 سنة هذه الصورة: أربع عساكر جبابرة يفتحوا برلين ساحبين بتاعة حلاوة جاية من شربين شايلة على كتفها عيل عينيه وارمين والصاج على مخها يرقص شمال و يمين ايه الحكاية يا بيه جال: خالفت الجوانين اشمعنى مليون حرامى فى البلد سارحين يمزعوا فى الجيوب و يكسروا الدكاكين أسأل وزير الشئون ولا أكلم مين