منذ ساعات انتهي عام 2010 بكل ما كان فيه من حلاوة ومرارة. إنجازات واخفاقات. التزام وانفلات. انضباط وتسيب. طفرات وكوارث. سعادة وشقاء. إيجابيات وسلبيات. باختصار شديد عاصرنا كافة الأضداد.. فهو يستحق أن يكون عام المتناقضات. .. ومنذ ساعات قليلة أيضاً بدأ عام 2011 ولنا جميعاً فيه أمنيات ندعو المولي أن تتحقق كلها أو معظمها.. أن يكون عام خير وبركة.. وسلام مع النفس والغير. لكن.. ليس بالأمنيات فقط يعيش الإنسان.. فما نريده لن يتحقق أبداً إلا إذا خلا كل منا إلي نفسه وحاسبها. ولامها. أو عاتبها. وصحح مساره.. كل في مجاله. أما إذا استمر تعاملنا مع الحياة بنفس الأسلوب.. فلا أظن أبداً وليس بعض الظن إثماً أن نتغير أو نغير.. بل ستزداد صعوبة الحياة وقد نصل إلي حد الاختناق. هذه قضية كل الشركاء في المجتمع.. وأقول للجميع ولا أستثني نفسي لكم الخيار.. إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها وما ربكم بظلام للعبيد. اقرأوا أمنياتي التي هي حتماً أمنياتكم.. مع خالص تحياتي. جلست بيني وبين نفسي وأنا أودع عام 2010 وأستقبل عام 2011 في محاولة للتقييم والتمني.. فحمدت الله الذي لا يحمد علي مكروه سواه علي أن العام المحتضر لم يبق في عمره سوي سويعات يمكن عدها بالدقائق وانه سيغور عن دنيانا وقررت ألا أتذكر سوءاته وأن أعيش لحظات التمني الجميلة.. ولكن وجدت أن أمنياتي ما هي إلا تذكرة بتلك السوءات ودعاء إلي الله أن تتبدل وألا تتكرر في العام الوليد. هناك لغط كثير في كل مكان يتناول كافة مناحي الحياة.. حينا يتوقف عند حد الكلام والنقد المباح. وحيناً آخر يتجاوز هذا الحد ويصل إلي الإنفلات والاسفاف والتطاول المرفوض والإضرار بمصالح عليا.. حيناً يكون السبب قراراً خاطئاً أو صدر في توقيت غير مناسب. وحيناً آخر يكون القرار متعمداً أو مقصوداً. وفي أحيان كثيرة لا يعدو السبب أن يكون انفلاتاً للانفلات وإسفافاً للإسفاف وتطاولا للتطاول أو إضراراً عمدياً تنفيذاً لمخططات خارجية. أياً كانت الأسباب والدواعي.. فعلينا اليوم أن ننبه ونحذر في صورة أمنيات جميلة ودعوات خالصة من القلب مع التشديد علي ضرورة احترام القانون وفرضه وتفعيله علي الكبير قبل الصغير.. فإذا لم تحترم القوانين.. فقل علي الدنيا السلام. *** لا أحد ينكر أبداً أن هناك مساحة كبيرة من الحريات.. ومن ينكر ذلك أو يجحده فليفسر لي لماذا تترك بعض الصحف والفضائيات الخاصة تتحدث كما يحلو لها وفي أحيان كثيرة يكون حديثها "هلفطة" وتبجحاً وتطاولاً ولأغراض معينة؟ أو يوضح لي سر عدم المساس بالكتاب المتجاوزين وبالقوي السياسية غير الشرعية التي تتظاهر أو تقوم بوقفات احتجاجية أو ترفع لافتات ضد النظام؟ أو يكشف لي عن أسباب عدم اتخاذ إجراءات متعسفة مادام النظام ديكتاتورياً كما يزعمون ضد القوي غير الشرعية في الدولة مثل الجماعة المحظورة وشباب 6 أبريل و9 مارس وجمعية البرادعي والكيانات الموازية سواء التي أعلن عنها بالفعل أو بصدد الإعلان عنها؟ هذه الصحف والفضائيات والقوي غير الشرعية ارتكبت من الموبقات والتجاوزات الخطيرة ما لا يعد أو يحصي وبالمخالفة للقانون. أتمني في العام الجديد أن ترعي هذه الجهات الله وتعمل لصالح الوطن.. لأنهم حتي انتهاء عام 2010 ليسوا أبداً مواطنين صالحين.. بل شياطين وعملاء مأجورين. أتمني أن يسلكوا الطرق القانونية الشرعية للتعبير عن آرائهم بمنطق وأدب.. أن يكونوا فاعلين في المجتمع وقوي بناء لا هدم. أتمني أن يبرأوا من الشيزوفرانيا المصابين بها.. فهم يخالفون القانون بشتي الوسائل ثم يلجأون للقانون بدعوي ان لهم حقوقاً!! أتمني ألا يستقووا بالخارج.. فالخارج لن يعطيهم حقاً مزعوماً ولا حتي حقاً يستحقونه.. أن يفهموا جيداً ان مصر دولة مؤسسات ومستقلة وذات سيادة ولا دخل لأحد في الشأن الداخلي ونرفض تماماً تدخله من قريب أو بعيد.. وأن يعوا تماماً ان مصر ليست العراق ولا لبنان ولا إيران ولا السودان ولا الصومال.. مصر حرة وأبية وعفية ولن تلين أو تنكسر. أتمني أن يراعوا حرمة الناس في البيوت وحرمة الشارع ومصالح الخلق التي تتعطل بتظاهرهم العشوائي ووقفاتهم التليفزيونية.. والقانون - الذي يلجأون إليه أحياناً - صريح في هذه المسألة. أتمني ومن كل قلبي أن يهديهم المولي ويهبهم نعمة التصرف الصائب.. لصالح البلد. والناس.. وأنفسهم. ..وأتمني أخيراً.. أن تكون لدينا أحزاب معارضة فاعلة وبها تحديث وتطوير لا أن تكون أحزابا ورقية.. مجرد صحف فقط.. أن تستمد قوتها من الناس لا بتحالفات هشة مع قوي غير شرعية تنفذ أجندات إقليمية وأجنبية.. أن تكون هذه الأحزاب فعلاً أحد جناحي الديمقراطية في مصر. *** اقتصادياً.. أتمني وقف قطار الخصخصة العشوائية الذي فاقت جرائمه ما ارتكبه "التوربيني".. فقد انتهك هذا القطار استقرار العمال وحولهم إلي قوي عاطلة وأحيانا منحرفة. أتمني ألا يصل هذا القطار إلي محطة القلاع الصناعية الضخمة خاصة الغزل والنسيج المهددة بالتوقف بسبب سياسات خاطئة من وزارات الزراعة والتجارة والاستثمار.. ألا يتم تفريغ هذه القلاع من أياديها العاملة وشحنهم في عربات "المعاش المبكر".. ألا يمتد أصبع من يد الخصخصة إلي مصانع الحديد والصلب التي تم التلميح مؤخرا إلي نقلها من مكانها.. ألا يطبق نموذج شركة النصر للسيارات علي باقي القلاع الصناعية فهذا حرام لا يرضاه المولي. لقد سمعت تفسيراً غريباً فعلاً هو ان النصر للسيارات تأتي ب 5.2 مليون دولار فقط وإذا تم بيعها ستأتي ب 5.2 مليار دولار!!.. والسؤال: ومن الذي أوصلها إلي 5.2 مليون دولار؟ أليست الحكومة وبتعمد؟!! ومن الذي سيصل بها إلي 5.2 مليار دولار؟ أليسوا بشراً مثلنا؟.. أم أنه اعتراف ضمني بأن حكومتنا غير رشيدة ولا تفكر تفكيراً سليماً؟!! أتمني الحفاظ علي النزر اليسير الباقي من القلاع الصناعية والشركات والمصانع الحكومية بعد أن تم بيع الغالبية العظمي وأصبحنا علي الحديدة!! *** زراعيا.. أتمني تطبيق سياسة زراعية رشيدة تحقق لنا الاكتفاء الذاتي من القمح والأرز والقطن والذرة.. وأن تكون هناك سياسة تسويقية سليمة وسياسة استيرادية أكثر سلامة. أتمني الحفاظ علي البقية الباقية من الأراضي الزراعية الطينية وألا يتم تبوير أجزاء كبيرة منها تحت بند "المنفعة العامة" لتتحول إلي أعمدة كباري وإلي مولات تجارية مثلما حدث في ال 58 فداناً علي طريق المنصورة - جمصة الدولي.. رغم قناعتي بإنشاء هذه المولات التي توفر السلع بأسعار في متناول الجميع وتضفي مظهراً حضارياً علي المكان.. لكن المفروض أيضا ألا تكون علي حساب الأراضي الزراعية. أتمني الوقوف بحسم في وجه من يشترون الأراضي الزراعية المستصلحة ثم يحولونها إلي منتجعات وقصور وفيللات. عمرانياً.. أتمني طرح الأراضي علي الناس بمنتهي الشفافية وبالسعر المناسب.. وألا يطمع أي وزير فيها لنفسه أو لشركاته أو تخصص بالأمر المباشر للمحاسيب وأصحاب الحظوة. أتمني اتباع نفس الأسلوب في الشقق الخاصة بالشباب ومحدودي الدخل وألا يتم المغالاة في أسعارها. *** صحيا.. أتمني تطوير المستشفيات العامة حتي تليق بعلاج الإنسان.. هذا الإنسان الذي كرمه الخالق وأهانه المخلوق في تلك المستشفيات. أتمني إصدار قانون التأمين الصحي في الدورة البرلمانية الجديدة.. وأن يستمر العلاج المجاني للفقراء والغلابة ومحدودي الدخل وألا يرتبط ذلك بميعاد "مضحك" كما اقترح من التاسعة صباحا حتي الواحدة بعد الظهر فقط وألا يمس أحد مستشفي العباسية "الأثري" للصحة النفسية ولا أي مستشفي يعالج الغلابة. أتمني خفض أسعار الأدوية أكثر وأكثر.. وعدم الضحك علي الناس بأن أدويتنا أرخص من أي بلد آخر لأن السؤال التقليدي هنا: وهل الحكومة تعطي أجوراً أكبر من أي بلد آخر؟.. العملية نسبة وتناسب.. نعم الأدوية رخيصة عن مثيلاتها في بلاد العالم وبدأ اليوم تخفيض سعر 50 نوعاً منها .. لكن الأجور في الخارج أكثر من مثيلاتها عندنا عشرات المرات. * * * تعليمياً.. أتمني أن تكون صروح العلم من مدارس وجامعات علي أعلي مستوي من التعليم والتدريس والانضباط والسلوكيات. أتمني أن يكون كتاب المدرسة كتاباً بحق يغني عن الكتاب الخارجي.. وأن يراعي المدرس تلاميذه تعليماً وتعاملاً.. وأن يعود الاحترام والهيبة للمدرس فهذا من أبسط حقوقه.. وأن تختفي أو تتراجع الدروس الخصوصية وتقل كثافة الفصول والمدرجات.. أتمني ألا يبتكر أحد منغصات في وقت غير مناسب ولا لزوم لها بما يضع وزير التعليم في مواقف محرجة.. مثل الذي أفتي للوزير بتحويل المدارس القومية إلي تجريبية بحجة وجود مخالفات مالية في الإدارة.. فما نعرفه أن المخالفات يمكن احالتها للنيابة أو يمكن وضع المدرسة تحت الاشراف المالي للوزارة.. لكن لا نعرف أبداً تغيير "التوجه" والبنيان كله بهذا الشكل.. هذا لا يجوز. أتمني النهوض بالمعامل وعودة الأنشطة المختلفة واحياء دور المدرسة بأن تكون "مفرخة" للعلماء والفنانين والرياضيين كما كانت أيام زمان. اتمني أن تحصل جامعة لدينا علي مكان في ترتيب أفضل 500 جامعة في العالم! * * * عملياً.. أتمني أن يعمل الموظف ساعات العمل كما ينص القانون وبضمير.. أن يكون منتجاً لا متواكلا ثم يقول: علي قد فلوسكم. وصحفياً.. أتمني أن تراعي الصحف إياها الله والوطن وألا تنساق وراء دعوات ضالة ومضللة وأن تحترم المهنة وميثاقها.. أن تكون وطنية في المقام الأول ولا تكون بوقاً لجماعة أو قوي معينة ولا تكون مروجاً لفكر مضلل أو هدام أو لأجندة إقليمية أو أجنبية أو لمن يدفع لهدم الوطن. أتمني أن تراعي الصحافة والإعلام خصوصيات الناس.. أن تنتقد "أداء" من أجل الصالح العام.. وأن ترتقي بلغة النقد بعيداً عن السباب والشتائم والتطاول والصور والعبارات الخارجة لأن إعلامنا المقروء والمرئي والمسموع يدخل بيوتاً محترمة لها حرماتها. ورياضياً.. أتمني نبذ التعصب الأعمي للأحمر أو الأبيض أو الأصفر أو الأخضر.. أن نكون جميعاً علي قلب رجل واحد خلف المنتخب فقط.. وأن توقف الأندية الكبري الصراع علي لاعب غالباً لا يستحق الثمن المعروض فيه.. أن نثمن الأخلاق الرياضية في الأندية. والملاعب. والمدرجات.. فالرياضة دائماً غالب ومغلوب. * * * أخيراً.. مجتمعياً.. أتمني انضباط الأسواق وعدم المغالاة في الأسعار وليعلم الجميع أن "الناس تعبانة" فلا تزيدوهم تعباً. أتمني وقف الغش التجاري بشتي صوره وتوافر السلع مع جودتهاورغيف عيش صالح للاستخدام الآدمي بأن نجلب قمحاً بدون سوس أو حشرات. أتمني توافر الخدمات وتقديمها بالطرق السليمة دون رشوة أو اكرامية.. ولكن بالقانون. أتمني وقف العشوائيات المنتشرة في كل شارع وحارة وقرية ونجع.. فقد تحولت مصر كلها إلي عشوائيات تحت سمع وبصر وبمساعدة المحليات. أتمني القضاء علي الجشع واستغلال النفوذ والسلطة بدون وجه حق. وأتمني من الحكومة أن تتحرك بسرعة في أي موقف أو أزمة وأن ترد علي ما تثيره الصحف أولاً بأول.. فهذا واجبها.. فالرد السريع يوقف أي تجاوزات أو تداعيات. عدم الرد معناه عدم الاحترام أو العجز.. وحكومة لا تحترم صحافة البلد أو تعجز عن الحل.. حكومة لا تستحق أن تكون موجودة. كل سنة ومصر وطناً ورئيساً وشعباً بألف خير وسلامة.. وأدعو الله أن يحقق ما نتمني. آمين.. يارب العالمين.