سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فيتنام تنجح في تحقيق المعادلة الصعبة وتفاجيء العالم الاستقرار والجدية ووضوح الهدف.. وراء تحقيق القفزة الاقتصادية رغم مظاهر العولمة.. المواطنون يفضلون الصناعة الوطنية والمنتج المحلي
بعد نحو 15 ساعة طيران تخللتها 4 ساعات "ترانزيت" في مطار بانكوك الدولي هبطت طائرتنا في مطار هانوي الدولي.. إجراءات الخروج تمت في دقائق معدودة لنجد أنفسنا أخيرا في قلب مدينة هانوي عاصمة فيتنام.. تلك الدولة الصغيرة التي "دوخت" القوة العسكرية الأولي في العالم طوال 10 سنوات انتهت بانتصار تاريخي قامت في أعقابه بضم الجنوب الفيتنامي لتصبح فيتنام دولة واحدة منذ عام 1976 ومنذ الاستقلال لم تضع فيتنام الوقت لقد بدأت قصة كفاح أخري في مجال التنمية. زيارتنا الطويلة نسبيا لفيتنام 10 أيام كانت مختلفة تماما في الترتيب والبرنامج والهدف عن أي زيارة سابقة وربما لاحقة لنا.. كنا وفدين الأول صحفي يمثل الصحف القومية والمستقلة والمعارضة والوفد الثاني يمثل وزارة الاستثمار والهيئة العامة للاستثمار.. تنظيم الزيارة كان بترتيب خاص من وزير الاستثمار السابق محمود محيي الدين مدير البنك الدولي حاليا بالتعاون مع السفارة الفيتنامية في مصر وهيئة الاستثمار والمناطق الحرة أما الهدف فكان التعرف علي ما يحدث في فيتنام الآن من تجربة فريدة في التنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية ومحاولة الاستفادة منها في مصر. ثمار النمو في الطريق إلي الفندق الذي يقع في وسط هانوي التي تبعد عن المطار بنحو ساعة لم نر في البداية ما يلفت انظارنا من مظاهر هذا النمو فالشوارع ضيقة نسبيا والبيوت المتراصة بواجهات متشابهة لا تزيد علي بضعة أمتار لا تشير إلي مظاهر رفاهية جديدة يعيشها المواطن الفيتنامي.. قلنا في انفسنا عل ثمار النمو لم تتساقط بعد علي المواطن الفيتنامي مثلنا في مصر لكن عندما وصلنا إلي قلب العاصمة هانوي اختلفت الصورة تماما.. البيوت أصبحت أكثر أناقة وان ظلت بنفس الواجهات الضيقة وفسر لنا مرافقنا "زوو" الذي يجيد العربية لغة وثقافة سر ذلك بقوله ان واجهات البيوت المطلة علي الشارع لا تزيد علي 4 أمتار بحكم القانون كما أن أرض البيوت تملكها الدولة ويتم التصرف فيها بحق الانتفاع وتمتد مساحة البيوت إلي الداخل كما ترتفع لعدة طوابق. كانت العاصمة هانوي التي تحتفل بمرور ألف عام علي انشائها تتألق وسط مظاهر الاحتفال المنتشرة في كل ارجاء المدينة وميادينها الواسعة خاصة الميدان الذي يقع فيه قبر الزعيم الفيتنامي "هو شي منه" الذي قاد حركة التحرر ضد الاحتلال الفرنسي ثم الأمريكان والذي يعشقه الفيتناميون بمختلف أجيالهم ويحتفظون بصوره في منازلهم. مظاهر العولمة مظاهر العولمة بدأت تغزو المدينة.. المباني الحديثة الشاهقة التي تختلف عن الطراز الفيتنامي التقليدي وفروع الشركات متعددة الجنسيات وفروع البنوك الأجنبية الكبري. فنادق الخمسة نجوم الشهيرة والمطاعم الايطالية والأمريكية والتي يقصدها بعض الشباب الفيتنامي دون الكبار الذين مازالوا يتمسكون بكل ما هو فيتنامي الطعام والملابس والمنتجات لدرجة ان مرافقنا "زوو" كان ينصحنا دائما بشراء المنتجات الفيتنامية التي يري انها الأكثر جودة وعندما تناولنا احدي وجباتنا في مطعم ايطالي - من باب التغيير - طلب "زوو" اصنافا فيتنامية والطعام الفيتنامي في غالبيته يدور حول الأسماك والأرز التي تشتهر بهما فيتنام. المعادلة الصعبة التناقض بين النظام السياسي الشيوعي والنظام الاقتصادي القائم علي آليات السوق لم يؤثرسلبا علي الاقتصاد أو المواطن الفيتنامي حيث استطاعت الحكومة الفيتنامية ادارة المعادلة الصعبة بكفاءة ووضعت من المعايير والضوابط ما يجعل آليات السوق في خدمة الاقتصاد الفيتنامي وليست ضده فالأرض تملكها الدولة والجميع مواطنين وأجانب يحصلون عليها بحق الانتفاع والضرائب تفرض علي الجميع دون اعفاءات اللهم الا في القطاعات التي تري الدولة حاجة شديدة إليها كما ان الخصخصة كان لها طابعها الخاص فتتم في اطار ضوابط صارمة تلزم المستثمر بالاحتفاظ بالعمالة وبنشاط الشركة وزيادة الانتاجية وحتي الآن الدولة مازالت تملك الأغلبية في الشركات التي تم خصخصتها. حوافز الاستثمار حوافز الاستثمار في فيتنام تقوم علي الاستقرار السياسي ومناخ الانفتاح ووضوح التشريعات التي تعامل المستثمر الأجنبي نفس معاملة المحلي فنجحت في اجتذاب نحو 191 مليار دولار خلال العقدين الماضيين ورغم الأزمة المالية العالمية إلا أن فيتنام استطاعت جذب نحو 21 مليار دولار العام الماضي بحسب نائبة رئيس هيئة الاستثمار "نجوين بيش فان" وأكثر الدول المستثمرة في فيتنام هي الدول الآسيوية المجاورة مثل الصين وسنغافورة وماليزيا واليابان وكوريا وتايلاند وأيضا الولاياتالمتحدةالأمريكية فرغم الذكريات المريرة التي مازال يحملها الفيتناميون للفظائع التي قام بها الأمريكان ضدهم إلا ان ذلك لم يمنعهم من فتح ابوابهم للاستثمار الأمريكي بعد نحو 14 عاما من انتهاء الحرب وبلغت الاستثمارات الأمريكية في فيتنام نحو 5.16 مليار دولار وكانت الصناعة والسياحة أهم القطاعات الجاذبة للاستثمار ولم تكتف الدولة الصاعدة فيتنام بجذب الاستثمارات بل تقوم بالاستثمار في نحو 30 دولة علي مستوي العالم من بينها عدد من الدول الافريقية مثل انجولا وموزمبيق وجنوب افريقيا والجزائر أما في مصر فالاستثمارات الفيتنامية تقل عن المليون جنيه بحسب - ايفا صديق وكل الوزارة بهيئة الاستثمار المصرية والتي كانت علي رأس وفد هيئة الاستثمار في زيارة فيتنام التي تتوقع نشاطا في مجال الاستثمار المشترك بين البلدين الفترة المقبلة. التجربة الفيتنامية في التنمية والتي تقوم علي التخطيط ووضوح الهدف والجدية الشديدة في التطبيق ساهمت في تسريع وتيرة النمو في فيتنام التي انتقلت إلي مصاف الدول متوسطة الدخل حيث يحصل الفرد في المتوسط علي 1200 دولار في العام حاليا مقابل 300 دولار فقط في السنة الأولي للتحول الاقتصادي وذلك وفقا لما تؤكده المتحدثة الرسمية بوزارة الخارجية الفيتنامية. هانوي الجديدة مثل القاهرة تزدحم العاصمة هانوي بسكانها البالغ عددهم نحو 5.4 مليون نسمة ورغم الاعداد الضخمة من الدراجات النارية التي تملأ الشوارع في صفوف متراصة ولا تترك سوي صف واحد للسيارات ورغم عدم وجود أي اثر لشرطة المرور الا ان هناك سيولة مرورية عكس شوارع القاهرة التي تعاني اختناقات مرورية دائمة وتنشيء فيتنام حاليا أول مترو انفاق بها كما قامت بتخطيط عاصمة جديدة للبلاد تسمي هانوي الجديدة مخططة تخطيطا حديثا وفقا لأحدث النظم العالمية. خلفت فيتنام اثار معارك الماضي وراءها وبدأت معركة جديدة في مجال التنمية وتؤكد كل الشواهد انها ستحقق انتصارا آخر لتصبح نمرا آسيويا جديدا خلال سنوات قلائل.