شهدنا وشهد كثيرون بنزاهة الانتخابات الرئاسية بصرف النظر عن النتيجة التي ستنتهي إليها.. وقال محللون سياسيون إن هذه الانتخابات قدمت نموذجا ديمقراطيا يحتذي.. وأنها سوف تغير شكل منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة القادمة.. فالديمقراطية عدوي كما أن الاستبداد والديكتاتورية عدوي. وخاطب الكاتب طلال سلمان الشعب المصري في صحيفة السفير اللبنانية قائلاً: "تنبهوا.. أنتم تنتخبون رئيسا لكل العرب وليس لمصر وحدها".. وقال إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة حماس في غزة إن الانتخابات المصرية ستؤسس لدور الأمة العربية في خارطة العالم. وهكذا.. فإن كل من تابع الانتخابات المصرية أشاد بها.. وأدرك تأثيرها العميق داخل مصر وخارجها.. ولكن تبقي شهادة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي وقع مع السادات ومناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق اتفاق كامب ديفيد ومعاهدة السلام هي الأهم من بين جميع الهيئات والشخصيات التي جاءت لتراقب الانتخابات.. ليس فقط بسبب شهرة كارتر في مراقبة العديد من الانتخابات علي مستوي العالم ومصداقيته المشهود بها في هذا الصدد وإنما أيضاً لأن هذه الشهادة اتسعت لقضايا مصيرية أخري إلي جانب الانتخابات. في لقائه مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قال كارتر إن مركزه لمراقبة الانتخابات قام بمراقبة أكثر من 90 عملية انتخابية علي مستوي العالم وكانت الانتخابات المصرية هي أفضل هذه الانتخابات علي الإطلاق. حين نقرأ هذا التصريح نتذكر علي الفور أن مصر قدمت في عام 2005 أسوأ انتخابات رئاسية علي مستوي العالم.. وقدمت في 2010 أسوأ انتخابات برلمانية علي مستوي العالم أيضاً.. وندرك علي الفور أن التغيير الكبير الذي نقل مصر من النقيض إلي النقيض كان بسبب ثورتها المجيدة ودم شهدائها الأبرار.. وبسبب سقوط النظام الفاسد وزبانيته الذين أدمنوا الكذب والنفاق.. وجعلوا رزقهم أن يلبسوا الحق بالباطل ويكتموا الحق وهم يعلمون. نتذكر أيضاً ونحن نقرأ تصريح كارتر ألاعيب الحزب الوطني المنحل في كل انتخابات مرت علي مصر.. وكيف كانوا يتعمدون إفسادها وتزويرها جهارا نهارا حتي يقتنع المصريون بأنه لا قيمة لأصواتهم ولا فائدة من أية انتخابات.. فالقابضون علي السلطة الفاسدون لن يتركوها مهما كان الثمن.. وكم ذهبت أرواح لأبرياء سدي في سبيل أن يظل الحزب الفاسد علي مقاعد الحكم ويحافظ علي مكاسب رجاله. وقال كارتر إن الانتخابات المصرية تميزت بالشفافية والنزاهة والإقبال منقطع النظير.. ثم سأل الرئيس الأمريكي الأسبق شيخ الأزهر عن أصل المشكلة في فلسطين فقال د. الطيب إن أصل المشكلة تكمن في خلط الكيان الصهيوني الدين بالسياسة.. وفهمه لنصوص الدين فهم سياسي خاطئ أدي به إلي استعمار وقهر الشعب الفلسطيني وتحويله إلي اللاجئين في مختلف أنحاء العالم. وعقب كارتر علي ذلك بأنه يتفق مع تحليل الإمام الأكبر.. وأن الغرب وأمريكا يدعمان أكثر من اللازم سياسة إسرائيل الاستعمارية التي تقوم علي القهر والإذلال والغطرسة وهضم حقوق الشعب الفلسطيني مما أضر بسمعة أمريكا ومصداقيتها علي المستوي العالمي. وأضاف: "لكي أكون صريحاً أمام الله والتاريخ أقول إن مبارك كان يستجيب أكثر من اللازم لطلبات إسرائيل وأمريكا.. ولذلك آمل من الرئيس المصري القادم الإنصاف والعدل للشعب الفلسطيني وكفاه مرارة وعذاباً". إلي هذا الحد وصل بنا نظام مبارك الفاسد.. أن يطلب رئيس أمريكي سابق من رئيس مصر أن يكون منصفاً وعادلاً مع الشعب الفلسطيني.. هل بعد هذا عار يمكن أن يلحقه رئيس ببلده؟! لقد كان مبارك منبطحاً أمام إسرائيل وأمريكا أكثر من اللازم بشهادة كارتر.. وكان يبرر ذلك للناس علي انه حكمة واتزان.. وتعمل أبواقه الكاذبة علي ترديد هذه الإدعاءات ليل نهار.. وباسم الاستقرار والأمن كان يشارك في حصار أشقائنا في غزة بينما العدو يصب عليهم الرصاص من كل جانب وهم بلا حماية ولا يستطيعون حتي الفرار إلي ملاذ آمن. سوف يأتي وقت تظهر فيه كل الحقائق عن هذه الجرائم البشعة التي جعلت مصر ألعوبة في يد الصهاينة والأمريكان.. وقللت من شأنها وقزمت دورها حتي جاء كارتر يطلب منها أن تكون منصفة وعادلة مع الشعب الفلسطيني الشقيق.. يا لها من مأساة!! وفي لقاء كارتر مع رؤساء الطوائف المسيحية بالمقر البابوي في العباسية استمع إلي الأنبا باخوميوس قائم مقام بطريرك الأقباط الأرثوذكس وهو يقول: إن مستقبل المسيحيين آمن في مصر.. ولا توجد مخاوف لديهم من صعود أي تيار أو فوز أي مرشح في انتخابات الرئاسة.. لقد عاش المسيحيون مع المسلمين علي أرض مصر 14 قرناً من الزمان ولم يتأثر تعايشهم السلمي معاً بأي تغيرات سياسية. وأضاف الأنبا باخوميوس ان الأقباط لا يعترضون علي المادة الثانية من الدستور المتعلقة بالشريعة الإسلامية لكنهم يأملون في إضافة فقرة إليها تؤكد علي أن من حق غير المسلمين الاحتكام إلي شرائعهم في أحوالهم الشخصية. وهذه كما تري لغة راقية تليق بالمناخ الديمقراطي الرائع الذي تعيشه مصر حالياً.. والذي نتمني أن يستوعبه الجميع.. ويعيش هذه الروح الطيبة المسالمة التي تبحث عن نقاط التوافق وليس نقاط الصدام. مصر الآن في أمس الحاجة إلي أن يرتفع الجميع إلي مستوي اللحظة.. وأن يتخلوا عن أساليب التشويه المتبادل والإفتراء لكي يكتمل عرس الديمقراطية. إشارات: * هنيئاً للمشير طنطاوي وزملائه أعضاء المجلس العسكري.. فقد دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه. * للأسف الشديد.. الإعلام المصري لم يتحرر بعد برغم مرور عام ونصف العام علي الثورة.. صدق الجماهير تفوق علي الكذب الإعلامي. * معركة الإعادة ستكون بين الإخوان والحزب الوطني.. انتظروا وراقبوا.