شهدت مكتبة الإسكندرية في الأسبوع الماضي إطلاق مبادرة "دستورك يا مصري" والتي تهدف لإقامة حوار مجتمعي بشأن موضوعات الدستور المنتظر.. فهل سمع أحد بهذه المبادرة؟ للأسف.. كثيرون لم يسمعوا بها نظرا لتهافت الإعلام والإعلاميين علي الجري وراء الإثارة واللهاث وراء الساسة وألاعيبهم وسعيهم لجذب الرأي العام بأي وسيلة وأي ثمن..!! ولا شك ان مكتبة الإسكندرية جديرة بإطلاق مثل هذه المبادرة وذلك لما تضمه من عقليات متميزة وباعتبارها صرحا من صروح الفكر والعلم في مصر لكن للأسف لم نتعود علي الاستماع لصوت العلم والعلماء. واللافت للنظر في هذه المبادرة القيمة ان مؤسسات وهيئات مهمة ومتنوعة تشارك فيها الأمر الذي يبشر بخروجها بنتائج جيدة وفي مقدمة هذه الهيئات والمؤسسات المجلس القومي للشباب ومركز الحوار بالأزهر الشريف ومؤسسة مدي للتنمية الإعلامية والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية ومركز الحضارة وفريق زدني "جمعية رابعة العدوية" ومؤسسة بداية بالإضافة إلي مجموعة من أعضاء النقابات المهنية والمنظمات غير الحكومية واتحادات الطلاب وغيرها. هذا التنوع والثراء في المشاركة يمدنا بطاقة من التفاؤل حيال ما سوف تنتهي إليه المبادرة حيث تركز علي تجميع الآراء التي تطرح في جلسات النقاش في كل المحافظات المصرية والتي سيتم عرضها علي اللجنة المنتظر تشكيلها لإعداد وصياغة الدستور حسبما يقول د.سامح فوزي مدير إدارة منتدي الحوار والدراسات السياسية بمكتبة الإسكندرية. من هذا المنطلق تركز المبادرة الجديدة طبقا لرأي د.هشام جعفر المستشار الإعلامي لموقع "أون إسلام" علي استرداد مفهوم طالما عانينا من غيابه وهو ان السياسة تصنع من أسفل وليس من أعلي فقط. وحسبما هو معروف علي مستوي العالم كله فإن الأنظمة الحديثة تعتمد علي الحلول الوسط والتوافق ولا يمكن ان ينفرد بكتابة الدستور جهة أو فصيل سياسي أو حزب بعينه. كما يجب ألا يتناقض الدستور مع المقومات الثقافية المحلية للمجتمع الذي يصدر فيه وان يراعي وضع الأسس اللازمة لإقامة حكم ديمقراطي رشيد. وفي جلسة إطلاق المبادرة أثار د.عبدالفتاح ماضي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية عددا من الاشكاليات الموجودة في المجتمع المصري والتي تمثل تحديا كبيرا في وضع الدستور منها المادة الثانية التي تقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بالاضافة إلي وضع المؤسسة العسكرية باعتبار ان الجيش يجب ألا يكون له دور في كتابة الدستور أو في الحياة المدنية في أي نظام ديمقراطي ولكن هذا الأمر يأخذ وقتا طويلا ولذلك يجب التركيز في مرحلة الانتقال علي الانتقال فقط. كذلك لا قيمة للدستور ما لم يكن هناك مجتمع قوي ورأي عام مؤثر يستطيع محاسبة من يخالف الدستور فحماية المواطنين من الاستبداد تبدو غير ممكنة في ظل مجتمع غير قوي ولا يملك الحق المطلق في تكوين الجمعيات والمنظمات حسب رأي كريم سرحان خبير حقوق الإنسان. وفي رأيي الشخصي انه لو قدر لهذه المبادرة النجاح واعتقد انها سوف تنجح بامتياز فسوف نجني من ورائها الكثير. خصوصا انها تشمل كل محافظات مصر وتقام في إطارها جلسات استماع مركزية لمناقشة جميع الجوانب الفنية المتعلقة بالدستور إضافة إلي حلقات نقاش الكترونية "أون لاين" الأمر الذي يضمن لنتائجها الدقة والتنوع والثراء. وأظن اننا كنا بحاجة إلي هذه المبادرة منذ ان بدأ التفكير في وضع الدستور الجديد ولو تم ذلك فربما كنا قد تجنبنا الكثير مما نعاني منه حاليا. أفكار مضغوطة: الحياة قد تصبح رائعة.. إذا تركك الناس وشأنك! " شارلي شابلن "