قمة بغداد قلبت علينا المواجع وذكرتنا اننا مازلنا احياء نرزق وان العراق عاد إلي حضن أمه أو أمته العربية.. لكنها ذكرتنا أيضا بقلة الحيلة والهوان علي الناس أجمعين. علي المستوي الشخصي لي موقف عالق بذاكرتي عن قمة بغداد عام 1990م التي سبقت غزو الكويت فقد تم تكليفي في نفس يوم انعقادها باعداد تحقيق صحفي.. ولأننا كنا في عصر الورق قبل ثورة الاتصالات الحالية وظهور الانترنت فقد ذهبت إلي أرشيف مركز الابحاث والدراسات وحشرت نفسي بين الملفات المتكدسة بالمكان أملا في الحصول علي معلومات تساعدني في مهمتي. وأثناء انشغالي في البحث عن ضالتي اصابني الذهول عندما وقع بصري علي عدد قديم لصحيفة قومية يعود تاريخه إلي نهاية خمسينيات القرن الماضي.. وسر ذهولي ان مانشيت الصحيفة يتناول موضوع الساعة وهو عقد قمة عربية لانقاذ فلسطين وكانت الصحف الصادرة يومئذ تتناول قمة 90 وتتحدث عن الموضوع ذاته وبنفس العناوين تقريبا رغم أن الفارق الزمني بين القمتين يتجاوز اثنين وثلاثين عاما. تذكرت ذلك وأنا أتابع نتائج قمة 2012م التي انتهت منذ ايام قليلة وجاءت قراراتها علي طريقة التكرار الذي يعلم الشطار بنفس المعايير والمقاييس العربية فكلها تدور بين الشجب والرفض والادانة دون اتخاذ موقف واضح تجاه أي قضية. اللهم إلا إذا اعتبرنا الحديث عن وقف نزيف الدم السوري جديدا. لقد اثبتنا علي مدار 67 سنة هي عمر الجامعة العربية اننا لا نحسن غير الكلام.. الكلام فقط ولا نسعي ابدا إلي تحويل قراراتنا إلي واقع حي ينبت ويثمر .. هذا إذا توصلنا إلي قرارات ترضي الشارع العربي من الأساس. نحن سبقنا الاتحاد الأوروبي ودول ال "ناتو" بعقود من الزمان في الدعوة إلي التكتل الاقتصادي والسوق المشتركة والتعاون العسكري والدفاع المشترك ..سبقناهم في الافكار والمواثيق وسبقونا في التنفيذ لأننا نختزل التعبير عن الوحدة العربية في الولائم العامرة وتبادل القبلات والأغاني الوطنية. الجامعة العربية مثال حي علي ان العرب كما قال اعداؤنا ظاهرة صوتية فقد كانت حلما قديما للأمة كلها شرقا وغربا.. شمالا وجنوبا وجاء تأسيسها عام 1945م بعد عمل طويل وكفاح مشترك يوم ان كنا جسدا واحدا كالبنيان المرصوص ثم تبدلت الأوضاع وتم تفريغ الجامعة من مضمونها لتتحول إلي بيت للضيافة وتاه الحلم وسط المصالح الشخصية لزعمائنا الذين ارتضوا الخنوع والتبعية وفعلوا أي شيء لتثبيت عروشهم وعروش الابناء بعد عمر طويل. تحولوا إلي موظفين أو مديري عموم يديرون أوطانهم لصالح الغير.. قالوا لنا: لا تفكروا. لا تعملوا. لا تحلموا.. لقد متم وشبعتم موتا ولم يدركوا ان ساعة البعث ستكون قريبة وان عروشهم ستخر وتتهاوي أمام طوفان الشعوب. الطريق ممهد الآن أمام القادة الجدد لاعادة الحياة إلي بيت العرب واستنفار الطاقات المعطلة بشرط ان يستوعبوا الدرس ويجربوا الرهان علي شعوبهم ويأخذوا العبرة والعظة من زعماء كانوا ملء السمع والبصر واختفوا في غمضة عين عن المشهد ليتخلفوا للمرة الأولي عن حضور القمة العربية إما بسبب الموت أو السجن أو لأنهم مطلوبون للعدالة.. وسبحان من له الدوام.