ذهبت إلي البحرين أتابع ما يقال وما يدور في نقاشات واجتماعات ملتقي الإعلاميين العرب الذي عقد هناك علي مدي يومين. وكان هناك حوار إعلامي تقليدي حول الكثير من القضايا المتعلقة بالمهمة. وهو حوار لا يختلف كثيراً في مضمونه عما يثار في الساحة المصرية حول فوضي الإعلام في الوقت الراهن وغياب الكثير من أخلاقيات المهنة وتداخل العمل الإعلامي بالسياسي بحيث صار الإعلامي سياسياً والسياسي إعلامياً ولم يعد هناك فارق بين الدور المهني والدور السياسي. ولكن الحوار الأكثر أهمية كان عن مصر وما يدور فيها.. وكان السؤال الأول دائماً.. ماذا عن مصر.. وكيف الأحوال في مصر وإلي أين تمضي الأمور. وبقدر ما كان البعض صادقاً متلهفاً للاطمئنان علي مصر التي يمثل ما يحدث فيها نموذجاً لما يمكن أن يحدث في بقية الدول العربية والتي ان سقطت فلن يري الشرق النور بعدها أبداً. فإن هناك البعض من المتربصين بمصر والذين يتطلعون دائماً إلي ان تبتعد مصر برجالاتها وعقولها وخبراتها عن الساحة لكي تخلو لهم المنطقة ليمارسوا فيها دوراً لم يكن لهم أبداً.. ولا يستطيعون ملء الفراغ فيه. حتي وان انشغلت مصر بالهم الداخلي لفترات طويلة. وبقدر ما كانوا يسألون عن مصر فإننا كنا أيضاً نحاول ان نجد إجابات معقولة ومنطقية للسؤال الذي لا نجد له إجابة في مصر وهو.. لماذا تخلت الدول الخليجية عن مصر في هذه المرحلة الانتقالية وأين هي المساعدات التي وعدوا بتقديمها إلي مصر.. ولماذا لم تصل..! ولا يوجد من يملك رداً أو إجابة. هناك حديث عن المشاعر والعواطف وقيمة مصر ومكانة مصر.. ولكن لا يوجد في الخبز زبد.. ولا يوجد في الحديث ما يحمل إجابات واضحة. وقال لي مسئول خليجي بارز ان بعض قادة القرار في دول الخليج يرون أن تقديم المساعدات مرتبط بوجود سلطة قوية ومستقرة في مصر وأنهم ينتظرون إلي أن يتم انتقال السلطة حتي يكون هناك وضوح في الرؤية المستقبلية والتوجهات المصرية السياسية القادمة. وأشار هذا المسئول إلي أن هذه هي نفس وجهة النظر الأوروبية التي تعتقد أن مصر قد تعاني الآن وأنها لن تسقط وأنه من الأفضل لمصر ان تشعر بحجم الأزمة حتي يكون هناك تقدير واستخدام وتوظيف جيد للمساعدات. وان المساعدات الاقتصادية لا ينبغي ان يتم تقديمها في إطار إعانات وإنما في برنامج اقتصادي متكامل لمساعدة مصر علي بناء اقتصادها وتنفيذ سياساتها. ولكي يتحقق ذلك فإنه لابد من وجود سلطة مستقرة ونظام مدني متكامل ورئيس جديد للجمهورية. وتحدث مسئول آخر عن البعد العاطفي في التعامل مع الثورة المصرية فالبعض في الخليج مازال يشعر بالأسي والتعاطف مع الرئيس السابق مبارك ويستاء من استخدام صفة "المخلوع" ويفضلون نهاية لائقة له. ويستنكرون محاكمته والتشهير به. وهم يبدون في ذلك أسباباً ومبررات كثيرة. قد تكون خاصة بهم وبدولهم ولكنها في النهاية تدخل في نطاق الرؤية والفكر والإرث الخليجي الذي يفضل الابتعاد عن مفاهيم الثورات وربما لا يستخدم مصطلحاتها ومعانيها في الخطاب الإعلامي والسياسي الخليجي. وبعيداً عن أهل الخليج وحكوماتهم فإن المصريين هناك في قلق بالغ علي الأحوال في بلادهم. وهناك مبالغات وتهويل وروايات عجيبة وغريبة يتداولونها حول أوضاع الوطن الأم. وهناك انقسام في المواقف والعواطف وخوف من المجهول وتردد في اتخاذ القرار حول الاستثمار في مصر أو حتي تحويل الأموال عبر البنوك المصرية. وسيزداد الوضع سوءاً بين الجاليات المصرية في هذه الدول إذا لم يكن هناك تحرك فعال من أجهزة الدولة المصرية للذهاب إليهم وطمأنتهم وإعادة روح الأمل والتفاؤل في نفوسهم. فهم يقولون انهم كانوا يشعرون بالتفاؤل في بداية الثورة وانتابهم إحساس بالفخار والعزة. ولكنهم وبعد ما يقال ويشاهد عن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في بلادهم فإنهم لا يدرون ما هي الحقيقة وإلي أين تسير القافلة وتتجه..!! ويساعد علي غموض الموقف لديهم ان الإعلام المصري لم يأخذ في الاعتبار وهو يتحدث عن الداخل ان هناك الملايين في الخارج تتابع وتراقب وتحلل كل ما يقال ويدور معه حوارات ونقاشات وأخبار. وأن الناس سوف تشكل قناعاتها وتتغير قراءاتها في ضوء ما تسمع وما تري وما يصلها من أخبار وحوادث وتقارير..! ولا يوجد لدي الجاليات المصرية علي أية حال إلا سؤال واحد الآن يتعلق بالأمل الأخير لديهم.. وهو المتعلق بمعركة الرئاسة المصرية.. من تعتقد سيفوز.. ويحسم الصراع الرئاسي.. وهل ستكون لهذا الرئيس سلطات أم أن الليلة الكبيرة قد انفضت ومن سيأتي سيكتفي بالحمص بعد ان حصل الإخوان علي الحلاوة..! ولأن أحداً في الداخل لا يملك الإجابة علي هذا السؤال. فإن أحداً لم يجب.. فالكرة مازالت في الملعب والرئيس القادم لمصر مازال غامضاً.. وما دام الغموض هو سيد الموقف.. فإن التكهنات سوف تظل مستمرة وسيظل الإحجام عن تقديم المساعدات لمصر قائماً. وكان الله في عوننا مع الارتفاع المتواصل للأسعار ومع ما يقال عن تخفيض جديد لقيمة الجنيه المصري حتي نحصل علي قروض من الخارج. ومع ما يعنيه ذلك من مزيد من الغلاء.. ومزيد من القلق والخوف مما ستحمله الأيام لنا..! ** ملحوظة أخيرة: الثورة لم تصل بعد إلي وزارة الخارجية.. ومازال بعض سفرائنا في العديد من الدول يمارس عمله وكأنه في إجازة مدفوعة الأجر..!!