أجمل هدية تقدم للإخوان اليوم بعد الإنجاز الكبير الذي فازوا به في أول انتخابات حرة نزيهة هي كلمة الحق المخلصة الصادقة التي تنير أمامهم الطريق. وتبتعد بهم عن الغرور والزهو.. وتحثهم علي استشعار ثقل المسئولية وخطورة الأمانة التي حملهم الشعب إياها. أجمل هدية تقدم للإخوان اليوم أن نذكرهم بأن الجماهير العريضة التي خرجت إلي صناديق الانتخابات ومنحتهم أصواتها لا تنتمي بالضرورة إلي جماعتهم.. لكنها انحازت إليهم لأنهما تتوسم فيهم الصلاح والكفاءة والقدرة علي تغيير الواقع الأليم الذي تعيشه. هذه الجماهير التي بلغت أضعاف أضعاف أعضاء الجماعة والمؤيدين والمحبين لها تنتظر أن يأتي الخير علي أيدي من قالوا "نحمل الخير لمصر".. وهذا الخير لن يكون كلاما طيباً ومواعظ بالغة.. وإنما لابد أن يكون خططا تنفذ علي أرض الواقع لتعالج مشكلاتنا المزمنة مع العشوائيات والبطالة والتعليم والفساد الاداري والرعاية الصحية المتدهورة وتوقف عجلة الانتاج. الناس تريد أن تحيا حياة آدمية.. تحترم فيها حقوق الإنسان لكل أبناء الوطن بالتساوي دون تمييز.. وتحترم فيها كرامة المواطن الذي يجد مشقة في الحصول علي رغيف الخبز.. وركوب وسيلة المواصلات العامة.. والمشي علي الرصيف.. وإنهاء مصالحه مع الحكومة في استخراج التراخيص والحصول علي مسكن ملائم. وهناك تخوفات حقيقية من أن ينجرف الأداء السياسي للإخوان إلي مصادمات وصراعات جانبية مع من أدمنوا صناعة المشاكل والأزمات.. وتمر الأيام سريعا دون أن يتمكنوا من تقديم تجربة ناجحة وواضحة المعالم تعبر عن طموحاتهم.. وبالتالي يفقدون فرصة تاريخية قد لا تعوض ولا تأتي ثانية. بعبارة أكثر وضوحا.. نخشي أن يدخل الاخوان في البرلمان أو في الحكومة إلي صراع مع جهات تستفزهم بصور عارية أو فيلم أو رواية أو ديوان فيه خروج علي الآداب العامة.. وتستنزف التجربة كلها في مواجهات أخلاقية لا تتيح فرصة للقضايا الكبري والملفات الوطنية التي تحتاج اصلاحا استراتيجيا قد يكون هو العلاج الحقيقي علي المدي البعيد لهواة الاستفزاز. وسيكون علي الاخوان من الآن أن يقدموا خطابا تطمينياً لمنافسيهم الذين خسروا في المعركة الانتخابية.. فهؤلاء مواطنون مصريون صالحون ولهم حقوقهم كاملة.. والسياسي الذكي هو من يذهب إلي منافسه ويمد له يده ويخفض له جناحه ويطلب منه النصيحة والمشورة ويعمل قدر طاقته علي ازالة آثار المعركة الانتخابية.. حتي لا يتحول منافسه إلي عدو استراتيجي. وسيكون علي الاخوان من الآن أيضا أن يقدموا تطمينات حقيقية لاخواتنا المسيحيين شركاء الوطن الذين يجري الآن ترويعهم واثارة الفزع في قلوبهم.. هؤلاء من حقهم أن يحصلوا علي خطاب سياسي راق ومتحضر.. يؤكد لهم أن البلد بلدهم ولا أحد يجرؤ علي أن يجبرهم علي شيء يخالف دينهم وشرائعهم.. وأنهم متساوون مع اخوانهم المسلمين المصريين في الحقوق والواجبات.. ولا يكتفي في ذلك بالكلام.. وانما يجب أن تطبق قواعد المواطنة الكاملة علي الجميع بدون تمييز. ولابد من تأكيد واضح علي اتخاذ تدابير فعالة وحاسمة لقطع دابر الفتنة الطائفية وانقسام الشعب المصري.. وحل أية مشكلات تنشأ في هذا الصدد طبقا لقواعد الدستور والقانون وعبر المؤسسات المختصة بلا تباطؤ أو تمييع.. حتي لا تترك الفرصة لتراكم الاخطاء. ان السلطة مفسدة.. والطريق اليها وفيها لن يكون مفروشا بالورود.. وسوف تظهر العراقيل والمعوقات من كل جانب.. لكن المهم ألا تضيع الأهداف الكبري.. والعاقل من يتعلم من اخطاء غيره. أعرف أن آخر كلمة يرغب الانسان في سماعها هي النصيحة.. لكن الضمير الوطني يتطلب منا جميعا أن نتواصي بالحق ونتواصي بالخير في هذه اللحظة المهمة من تاريخ وطننا وأمتنا.. وقد أسعدني أن اسمع من أحد قيادات الاخوان قوله ان الفوز الكبير الذي تحقق قد طير النوم من عينه لأن أحس بثقل المسئولية التي يحملها. أدعو الله أن يكتب لمصر العزة والأمن.. وان يساعد أبناءها علي تحقيق الآمال العريضة التي جاءت بها ثورتهم المباركة.