عندما تقدم د. عماد أبوغازي وزير الثقافة السابق باستقالته من حكومة شرف اعتراضا علي قتل المتظاهرين في ميدان التحرير ورفضا لأن تلوث يداه بدماء الشهداء. قدم نموذجا محترما ورائعا لما يجب ان يكون عليه المثقف الوطني الحق. وفضلا عن هذا النموذج الذي قدمه أبوغازي. فقد وضع كل من يقبل تولي منصب الوزير في حكومة شرف في مأزق كبير. فأي مواطن سيقبل بهذا المنصب كان سيكسب عداء المثقفين وغضبهم وكراهيتهم مهما كانت امكاناته أو تاريخه. فقبول المنصب بعد أبوغازي بمثابة خيانة وطنية لا تغتفر. الأمر يختلف مع د. شاكر عبدالحميد وزير الثقافة الجديد فقد رحلت حكومة شرف وجاءت حكومة الجنزوري كحكومة انقاذ وطني يحصل رئيسها كما قيل علي كافة الصلاحيات. صحيح انه أبقي علي عدد كبير من وزراء حكومة شرف. من بينهم وزير الإعلام أسامة هيكل. مما يجعلنا نشكك. ولو قليلا. في مسألة الصلاحيات هذه لكنه في الوقت نفسه جاء ببعض الوزراء الذين لا خلاف عليهم وعلي رأسهم بالتأكيد. د. شاكر عبدالحميد الذي لا يختلف اثنان علي مكانته الثقافية وحسه الوطني وكفاءته ونزاهة ضميره. وقد علمت أن د. شاكر عندما رشحته التوقعات وزيرا للثقافة وكان وقتها مرابضا في ميدان التحرير. تحفظ في البداية واستشار عددا من المثقفين الذين أقنعوه بقبول المنصب حال عرضه عليه لأنه يأتي في سياق مختلف أو هكذا يجب ان يكون عن السياق الذي استقال فيه د. عماد أبوغازي الذي سيحتفظ له التاريخ بهذا الموقف الوطني النبيل كما سيحتفظ له بمواقف وانجازات كثيرة. المأزق الحقيقي الذي ربما يعاني منه د. شاكر عبدالحميد هو مكانته بين المثقفين وعلاقته بهم. فشاكر عبدالحميد ابن الشارع الثقافي. وليس من أولئك الأكاديميين المعزولين خلف أسوار الجامعة. وربما لا يوجد مثقف أو مبدع في مصر لا تربطه علاقة بالوزير الجديد الذي لن تفاجأ. حتي بعد توليه الوزارة. عندما تشاهده يجلس وسط حلقة من المثقفين علي مقهي شعبي بسيط يناقش معهم أحوال الثقافة المصرية. ما أقصده ب "المأزق" هو العشم الزائد في د. شاكر عبدالحميد. العشم بمعني سعي البعض الي خلط الخاص بالعام اعتمادا علي ان الوزير الجديد "واحد منا" صحيح هو واحد منا ولكن من يريد له النجاح في خدمة الثقافة المصرية عليه ان يترك الرجل عمل ويقدم أفكاره التي تخدم الثقافة عموما ولا تخدم فردا أو مجموعة أفراد. لست من المتطوعين بتقديم نصائح لأحد. وفي ظني أن د. شاكر عبدالحميد. بوعيه وثقافته. لا يحتاج الي نصيحة مني. لكني أنصح نفسي وأصدقائي بألا نثقل علي الرجل بطلبات ومكاسب خاصة واننا نعلم جميعا ان وجوده الآن علي رأس وزارة الثقافة مكسب كبير لمصر علينا ان نستغله للصالح العام وعلينا أيضا أن نعلم أنه موضوع تحت المجهر الآن من كافة التيارات السياسية والفكرية. فإذا أردنا له النجاح يجب ان تكون هناك مسافة بيننا وبينه.. مسافة تتيح له الفرصة أن يعمل بعيدا عن الضغوط.. وتتيح لنا أيضا الفرصة لمراقبة أدائه في حياد وتقويمه اذا أخطأ. لقد ظلم شاكر عبدالحميد علي مدي سنوات طويلة ولم يحصل علي المكانة اللائقة به. واضطر أكثر من مرة الي ترك الجمل بما حمل وسافر الي أكثر من دولة عربية ليعمل استاذا بجامعاتها ليس من أجل تكوين ثروات وشراء قصور وفيلات وانما من أجل ان يوفر حياة معقولة لأسرته لم يتح له تاريخه ومكانته ان يوفرها هنا في مصر التي استيقظت الآن من جديد وليس أدل علي ذلك من استعانتها بأحد أبنائها المخلصين لتضعه في المكانة التي يستحقها والمكانة التي تستحقه.. د. شاكر عبدالحميد الذي شرف وزارة الثقافة بتوليه لها.