في كل موقف أو اختبار يبرهن الشعب المصري علي تحضره وعظمته وأصالة معدنه.. هكذا قدم المواطنون أروع نموذج للديمقراطية خلال المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية التي شهدت إقبالاً غير مسبوق حتي أن طوابير الناخبين أمام بعض اللجان وصلت إلي مئات الأمتار. الطوابير الطويلة التي ضمت كل فئات المجتمع بما فيها رموز العمل السياسي الذين رفضوا الاستثناء وقرروا انتظار دورهم في التصويت بددت حالة القلق والرعب التي أصابت الكثيرين بعد الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية واستمرت حتي قبل الانتخابات بساعات ودعت النخب السياسية إلي الاختلاف حول جدوي إجراء العملية الانتخابية في مثل هذه الظروف بل ومطالبة البعض بتأجيلها حتي تهدأ الأجواء. الاقبال الكثيف من الناخبين وجه رسالتين ضمنيتين في غاية الأهمية.. الأولي إلي من أدمنوا الحديث نيابة عن الشعب "عفواً لن نقبل الوصاية من أحد" والثانية إلي أعداء الوطن الذين حاولوا ومازالوا يحاولون العبث بأمن واستقرار البلاد "أحذروا غضب الشعب". المتابع لما جري علي مدي يومين يحق له الشعور بالفخر. فهذا الحضور الكبير يؤكد بلا أدني شك أننا نسير علي الطريق الصحيح وأن بلادنا التي تعيش حالة مخاض صعبة بصدد إقامة دولة ديمقراطية قوية تحقق طموحات الشعب وتليق بتاريخنا وحضارتنا. من المشاهد الجديرة بالملاحظة وتتدعي التوقف أمامها وقراءتها جيداً ردود الأفعال الإيجابية بمختلف عواصم العالم والاهتمام غير المسبوق بما يجري عندنا وتلك ظاهرة جديدة علينا فمعظم الدول الكبري أرجأت تحديد مواقفها تجاه الشرق الأوسط إلي ما بعد الانتخابات المصرية وانتظار الفصيل الذي سيشكل الحكومة. وهو أمر لم نعهده من قبل فقد اعتدنا أن نتابع نحن الانتخابات في مختلف دول العالم باعتبار نتائجها ستؤثر علي القرار في بلادنا. إذا كان رهان الأعداء علي الفوضي والانفلات الأمني فإن رهاننا علي وعي وتحضر الشعب وقدرته علي القراءة الجيدة للأحداث والتعامل مع تطورات المشهد السياسي بما يمليه الشعور الوطني فالشعب الذي قام بأهم ثورة في التاريخ الإنساني أكد للأصدقاء والأعداء معاً أنه قادر علي صياغة المستقبل وتجاوز المرحلة لانتقالية بلا خسارة. فمصر الثورة ازدادت قوة وثقة وليس وهناً وضعفاً كما يردد البعض. *** من يظن أن الاقبال التاريخي علي التصويت خلال الانتخابات انتصار للعباسية علي التحرير نسي أو تجاهل أن التطور الديمقراطي الذي نعيشه من إنجازات ثورة 25 يناير التي كانت ملحمة شعبية شارك فيها الوطن كله بمختلف ميادينه وشوارعه وأزقته. ومن الظلم قصرها علي ميدان بعينه مع إقرارنا وتسليمنا بأن الشرارة الأولي انطلقت من التحرير.