أحسست بالتفاؤل وبسعادة غامرة عندما تجولت في شوارع القاهرة وشاهدت الطوابير الطويلة أمام لجان الاستفتاء تعكس زحاماً غير مسبوق في مثل هذه المناسبات السياسية. في هذا الإطار فقد تبين لي أن أهم ما سوف تكشف عنه هذه العملية الانتخابية.. لن يتمثل في نتيجة هذا الاستفتاء وإنما في هذا الاقبال من جانب الملايين من أبناء الشعب المصري الذي تعاظم حرصهم ولأول مرة علي المشاركة السياسية الايجابية. شاهدت في هذه الطوابير كل أطياف الشعب المصري.. رجالاً ونساء من جميع الأعمار وهو الأمر الذي هز وجداني وجعلني أستبشر بأننا علي مشارف مرحلة جديدة تماماً من حياتنا السياسية.. هذا الزحام الشديد كان يعبر عن حماس متصاعد يعكس الإصرار الشعبي علي التخلي عن السلبية وتفعيل دور كل مواطن في تسيير شئون الوطن. إن ما لفت نظري حقاً ما لمسته من غياب »للتململ« و»التأفف« من جانب المشاركين في هذه الطوابير رغم قسوة الشمس في يوم ارتفعت فيه درجة الحرارة فوق معدلاتها. كان الحماس والهدوء النفسي والرضا هي السمة الغالبة علي الجميع. أثارني ما سمعته من أحد الذين كانوا يقفون معي في الطابور عندما وجدته يقول لزميل له مبتسماً.. ان عمره 14 سنة وأن هذه هي أول مرة يدلي فيها بصوته في انتخابات!! استشعرت من الأحاديث التي سمعتها أن سبب ظاهرة الحماس الجارف لأداء هذا الواجب الانتخابي هذه المرة إنما يعود إلي الشعور بأنه قد أصبح للصوت قيمة وتأثير. سيطرت علي الناخبين الرغبة في ألا يتركوا الساحة لهيمنة وسيطرة جماعات الانتهازيين والمحترفين والمتسلطين الذين يعملون لصالح أجندات بعينها. كان هناك ايمان للغالبية بانه قد اصبح لهم رأي يُعتد به في هذا الوطن وأنه من الضروري أن يساهموا بأصواتهم في توجيه مسار الدولة دون خوف من تزوير لارادتهم لصالح فئة أو تيار سياسي أو اتجاه ايدلوجي. إن كل ما تطمح إليه جموع الشعب هو أن تتم العملية الانتخابية علي الوجه الذي تتمناه من النزاهة والحضارة التي تزيد من انبهار العالم الذي استقبل بكل الترحاب والإعجاب ثورة الشعب المصري من أجل الإصلاح والتغيير نحو المستقبل الأفضل. إنني علي ثقة ومن واقع ما سوف تسفر عنه أصوات الملايين سواء الذين قالوا نعم أو قالوا.. لا.. ان تكون النتيجة في النهاية لصالح الأمن والاستقرار وعودة العمل والإنتاج بما يضمن قيام دولة مدنية حرة وديمقراطية مزدهرة جوهرها المواطنة الحقة دون تسلط أو هيمنة أو ديكتاتورية. إن الجميع يعلم ويدرك ويؤمن الآن بأن طريق الثورة أصبح مفتوحاً علي مصراعيه أمام الشعب في مواجهة أي انحراف بالمسار أو تزييف لصالح أي اتجاه لا يمثل إرادتهم.