لابد أن نعترف أن أجواء الفوضي والاضطرابات التي عمت مصر خلال الأشهر الماضية لم تتح لحكومة الدكتور عصام شرف أن تنجز عملا ملموسا خلال الفترة التي قضتها في تحمل المسئولية. ولابد أن نعترف في نفس الوقت أننا كشعب لم نتعاون مع هذه الحكومة بالقدر الكافي الذي يساعدها علي النجاح.. فقد عمت المظاهرات الفئوية والاضرابات والاعتصامات كل أرجاء مصر. وصاحب ذلك انفلات أمني عاث خلاله البلطجية واللصوص فسادا. ولم يتركوا مدينة ولا شارعا ولا حارة إلا وروعوا سكانها ونهبوا محلاتها. انفرط عقد الشرطة أثناء الثورة. وحدثت اعتداءات علي الأقسام ومديريات الأمن بل وتم تدمير بعض الأقسام واحراقها بالكامل. واحراق مئات السيارات التابعة للداخلية.. وكأنها كانت عملية انتقام شعبي من النظام السابق وجهاز أمنه.. فاختلطت الأمور وضاعت هيبة الدولة. كان جهاز الشرطة يحتاج إلي ملايين الأفراد وتسليحهم لكي يستطيعوا السيطرة علي هذا الانفلات.. ولم يكن الجيش يستطيع أن يدفع بكل قواته ليساعد الشرطة ويترك حدود مصر مكشوفة بلا حماية. في البداية.. بعد أن شعر الناس أن حياتهم مهددة شكل الشباب من سكان كل شارع وحارة مجموعات مسلحة بالعصي والأسلحة البيضاء لمواجهة المجرمين واللصوص والبلطجية. ونجحت الفكرة وحققت نتائج ايجابية لكنها لم تستمر أكثر من أسبوع وعادت الأمور إلي ما كانت عليه. من هنا نقول ان الخيار الأول والصعب الذي سيواجه حكومة الدكتور كمال الجنزوري التي مازالت تحت التشكيل سيكون اعادة الأمن إلي ربوع مصر. فإذا نجحت خلال فترة وجيزة سوف تستطيع الانطلاق لتحقيق انجازات سياسية واقتصادية.. أي الاسراع بتنفيذ برنامج تسليم السلطة إلي نظام حكم مدني.. من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية ووضع الدستور الجديد. كذلك العمل علي اعادة عجلة الانتاج للعمل بأقصي طاقة لاعادة التوازن إلي الاقتصاد والتغلب علي الصعوبات التي واجهته منذ قيام الثورة وحتي الآن. الثوار الحقيقيون الذين خلعوا نظام الرئيس السابق حسني مبارك يجب أن يظلوا يقظين حراساً علي أهداف ثورتهم حتي تتحقق بالكامل.. وأقول الثوار "الحقيقيون" لأن الذين كانوا خاملين طوال العهد السابق وجدوها فرصة لركوب الموجة وأصبح صوتهم أعلي من صوت الشباب الذين أطلقوا الشرارة الأولي. أمامنا - كما سبق أن قلت في مقال سابق - سبعة أشهر. وهي ليست فترة طويلة لتحقيق حلم الديمقراطية الحقيقية التي تقوم علي تداول السلطة من خلال صناديق الانتخاب. وعدم تأبيد حكم الرئيس الذي يجلس علي الكرسي. مصر في حاجة الآن إلي فكر الوطنيين المخلصين.. والآراء البناءة التي تساعد في اعادة كيان الدولة من جديد.. مصر في حاجة إلي اعلام عاقل. لا اعلام قائم علي المزايدة.. مصر في حاجة إلي أن تتواري المصالح الشخصية للنخبة وراء المصالح العامة. مصر في حاجة إلي شهامة فلاحيها وعمالها وموظفيها وتجارها ورجال أعمالها الحريصين عليها. مصر في حاجة إلي دعاء المقربين إلي الله ليحفظها من كل سوء.. ويرد كيد الشامتين والحاقدين إلي نحورهم.