لم ترد وصية واحدة في القرآن الكريم للآباء والأمهات بأبنائهم. وإنما جرت الآيات لتوصية الأبناء بآبائهم وأمهاتهم. لأن حب الأب والأم لأولادهما غريزة طبيعية في الإنسان والحيوان علي السواء. وهو ما أثبته العالم الروسي إيفان بافلوف بعد تجاربه علي القطط والفئران والقرود. لكننا نري عجبا في الجرائم التي تنشر هذه الأيام عن تعذيب الآباء والأمهات لأبنائهم أو قتلهم. وكأن نهاية العالم قد اقتربت. عندما كانت تنشر حادثة لمجرم قتل أباه أو أمه كان باعة الصحف ينادون في الشوارع "اقرأ الحادثة". فقد كانت شيئا غريبا وعجيبا في مجتمع يقوم علي القيم والتقاليد الموروثة. لكننا اليوم نقرأ بمشاعر متبلدة جرائم قتل الآباء والأمهات لأبنائهم وكأننا أمام حوادث عادية. مع أنها أبشع علي النفس السوية من قتل الأولاد لآبائهم وأمهاتهم. لقد توقفت مصادفة عند أربع جرائم من هذا النوع لآباء وأمهات نشرت خلال شهر مارس الماضي. كانت البداية بقصة الطفل "يحيي" الذي هربت به أمه من أبيه لتعيش مع عشيقها. لكن سرعان ما ضاقا بوجوده معهما رغم أن عمره لم يتجاوز 3 سنوات. فبدأ في تعذيبه بالكي والسلخ بالمياه المغلية والجلد بالخرطوم حتي يتخلصا منه. ولما اكتشفت الجريمة تم ايداع العشيقين السجن وايداع "يحيي" مستشفي كفر الشيخ لعلاجه ثم إيداعه دارا للأيتام للعناية به. وفي المقطم قام الوالد وزوجته الثانية بتعذيب بناته الثلاث من زوجته الأولي. ووصل به الأمر إلي تعليقهن في حبل الغسيل حتي تدخل الجيران وأنقذوهن. وحدث ذات مرة أن أكلت كبري البنات روان 5 سنوات من طعام أبيها فانهال عليها ضربا وركلا. وأكملت زوجته الجريمة فقيدتها بسلك كهربائي وانهالت عليها ضربا بالشاكوش أمام الأب حتي لفظت أنفاسها. وعندما حاولا التخلص من الجثة تم إلقاء القبض عليهما. وفي قرية العراق بمنطقة العامرية عادت الطفلة "ملك" إلي البيت لتجد أمها في أحضان رجل غريب. وخوفا من الفضيحة قامت الأم الخائنة وعشيقها بخنقها حتي الموت وتقييد يديها وقدميها وإلقائها في مياه المصرف. وفي دمنهور قام أب مستهتر بقتل ابنه الصغير -مالك 6 شهور- حتي يتخلص من نفقاته ويتجنب المشاجرات اليومية مع زوجته علي المصروف. فاستغل غياب الزوجة وملأ كوبا بالكلور السام وأفرغه في فم الطفل حتي لفظ أنفاسه الأخيرة. وهكذا لم تعد المسألة مجرد جريمة فردية. وإنما صارت أقرب إلي الظاهرة. وتحتاج دراسة اجتماعية جادة تقف علي الأسباب الحقيقية لضعف الوازع الأبوي والأمومي فينا. ولتقول لنا كيف تحولنا -رجالا ونساء- إلي حيوانات مفترسة وطيور جارحة منزوعة الرحمة. ربما نستطيع أن نعالج الخلل الجيني الذي حدث فينا. وننقذ مجتمعنا من الهوة التي ينحدر إليها.