هذا خطاب مفتوح أبعث به إلي المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة وجدت أن من واجبي كمواطن مصري عاش انتصارات بلاده وفرح بها. وتجرع كغيره مرارة هزائمها وانكساراتها.. تفاعل مع الشعب المصري بمسلميه وأقباطه وبمختلف طبقاته الفقيرة قبل الغنية.. أن أعبر عما أراه كارثة تضر البلاد من أقصاها إلي أقصاها. بداية.. أقسم بالله صادقاً غير حانث بأنني لم أشعر يوماً بأزمة حقيقية وخطيرة تهدد وحدة الشعب الواحد سوي منذ تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وما تلاه من أحداث دامية كثيرة وصولاً إلي مجزرة ماسبيرو. سيادة المشير.. ربما تتفق معي في أن أقصر الطرق لحل الأزمات هو الطريق المستقيم الذي لا لف فيه ولا دوران.. وفي رأيي المتواضع فإن هناك مشاكل حقيقية يعاني منها الأقباط وأن تراكمها وعدم حلها يخلق أزمة فعلية تشكل أرضاً خصبة لمثيري الفتن واللاعبين علي كل الأحبال والمغرضين والمستهدفين إسقاط الدولة وتقسيمها.. وهو أيضاً رأي كثير من الأصدقاء والأحباب الأقباط. ولأن المجلس العسكري هو الذي يدير البلاد فإن من واجبه تجاه الوطن ومواطنيه أن يحل المشاكل الموجودة من أقصر الطرق حتي يريح ويستريح.. خاصة مع وجود حكومة عاجزة عن حل هذا الكم الكبير من المشاكل والأزمات اليومية وفي أكثر من اتجاه. اسمح لي أولاً أن أنصح المجلس العسكري بألا يدخل نفسه ولو بحسن نية طرفاً في أي صراع أو مشكلة علي الأرض.. فليس من واجباته أن يدافع عن هذا أو يهاجم ذاك. أو أن يبرئ "فلان" ويدين "علان".. بل إن مسئوليته أن يكون طرفاً محايداً ينصهر الجميع في بوتقته حتي يكون ملاذاً آمناً للقاصي والداني. للمسلم والقبطي. للكبير والصغير.. علي حدي سواء. والآ.. ما هي مشاكل الأقباط التي تقض مضاجعنا جميعاً.. أقباطاً ومسلمين. خاصة أن مشاكل أي مصري أياً كانت ديانته تهدد المجتمع كله؟! مشاكل الأقباط الكبري والتي إذا تم حلها فلن تطفو علي السطح أي مشاكل أخري.. تنحصر في ثلاث قنابل: * الأولي.. التمييز في شغل الوظائف العادية. والمناصب القيادية. الأقباط يؤكدون أن التمييز موجود فعلاً ويدللون علي ذلك بأن معظم الوظائف العادية تذهب للمسلمين وأن كل المناصب القيادية محرمة علي الأقباط.. فلا يوجد رئيس وزراء قبطي. ولا قائد كبير بالجيش أو المخابرات قبطي. وإذا حدث وتم تعيين وزراء أو محافظين أقباط فإن العدد لا يتجاوز وزيراً أو اثنين ومحافظاً أو اثنين أيضاً. وانطلاقاً من مقولة "صديقك من صَدَقَك بفتح الصاد والدال لا من صَدَّقك بفتح الصاد وتشديد الدال " أطالب بأن يكون نفي ذلك عملياً وليس بالكلام الإنشائي الذي لن يحل المشكلة ولن يقتنع به أحد. يجب أن يكون التعيين وفقاً للكفاءة والمهنية والخبرة إذا توافرت دون النظر إلي ديانة المتقدم ونوعه. والابتعاد تماماً عن دهاليز الوساطة والمحسوبية والاختبارات الشكلية لإضفاء الشكل القانوني علي التعيينات. أعتقد أنه إذا طبقنا القواعد السليمة فعلاً فلن تثار مشكلة من هذا النوع ثانية. * الثانية.. بناء الكنائس وتقنين غير المرخص منها.. وهي مشكلة خطيرة لأنها تمس الدين في أهم مفرداته. هناك من يتربص بمصر. وهناك من يسلب سلطة الحاكم ويغير ويعاقب بيده لا بيد أولي الأمر. وهناك من يشعلل وينفخ في النار.. وبالتالي وجدنا منشآت كنسية تحرق وتدمر وتحاصر ويُعتدي علي أهلها من متطرفين وبلطجية مأجورين.. وهذا وضع مرفوض تماماً. في رأيي أن الحل ليس في قانون دور العبادة الموحد. رغم أنه اجتهاد حميد. الحل الأمثل من وجهة نظري أن يكون هناك قانون منفرد لبناء الكنائس. القانون الموحد عليه مآخذ تسعة من الأقباط. ومآخذ أخري من المسلمين في مقدمتها أنه يساوي بين الكنيسة والمسجد خاصة في المساحة والبعد بين المنشأة ومثيلتها وفي هذا ظلم أيضاً للمسلمين إذا وضعنا في الاعتبار عدد السكان المسلمين ونظرائهم من الأقباط. كما أنه سيفتح أبواب جهنم علي مصر.. حيث سيطالب الشيعة بمساجد خاصة بهم. واليهود بمعابد. حتي ولو لم يكونوا في حاجة إليها. والطوائف التي بلا دين بمنشآت يمارسون فيها طقوسهم مع ما فيها من كُفْر. لابد أن تكون هناك قواعد للبناء ومنح الترخيص متفق عليها مع الكنيسة الأرثوذكسية للحيلولة دون الالتفاف حولها.. مع توصيف دقيق للمبني الذي يطلق عليه "كنيسة".. وعدم اعتبار المضايف التي يصلي بها كنائس.. بل مضايف تستخرج بها تراخيص بتوصيفها الواقعي مثل "الزوايا" عند المسلمين. هذا هو الحق.. وتلك هي الحقيقة.. ولا يجب تحميل الأمور بأكثر مما تحتمل. * الثالثة.. قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين.. وفي رأيي أيضاً أن الأقباط معهم حق في ذلك. لماذا يدخل المسلمون أنفسهم طرفاً في أمر لا يخصهم. ويجب أن ينأوا عنه تماماً؟! ألم يقل المولي عز وجل في الآية 47 من سورة المائدة: "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"؟!! أمامنا نص قرآني ملزم.. ولا اجتهاد مع النص.. وبالتالي.. المفروض أن تكون للأقباط محاكم الأحوال الشخصية الخاصة بهم وأن يضعوا هم قانونهم الخاص بهذا الشأن وفقاً لما ينص الإنجيل.. ومن هنا لا يكون المسلمون ولا الحكومة ولا المجلس العسكري طرفاً في هذه القضايا الشائكة. المسلمون لا دخل لهم في طلاق الأقباط أو عدم طلاقهم. ولا في أمور النفقة والميراث وغير ذلك. اتركوا ما لله لله.. وما لقيصر لقيصر. سيادة المشير.. من المؤكد أنه إذا تم إبطال مفعول القنابل الثلاث.. فسوف نفوت الفرصة علي النفوس الفاجرة التي تريد شراً بمصر.. وساعتها.. لا يفلح الساحر حيث أتي.