رحل أمس عن عالمنا شاعر المقاومة الشعبية الكابتن غزالي الذي يعد الأب الروحي لشعراء السويس بصفة خاصة وشعراء المقاومة الشعبية في مصر بصفة عامة. الكابتن غزالي الذي رحل بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز الثامنة والثمانين. يعرفه كل شعراء مصر وكل المهتمين بشعر المقاومة. فهو مؤسس فرقة أولاد الارض التي أنشأها في مدينته السويس عقب نكسة 67 وطاف بها محافظات مصر كافة فضلا عن جبهات القتال. حيث كتب لها عشرات الأغاني وشارك في غنائها. وكانت كلماته أشبه برصاص البندقية في ذلك الظرف الصعب الذي مرت به مصر. كابتن غزالي الذي كان يمتلك محلا صغيرا في السويس حيث يعمل خطاطاً كان أيضًا مدرباً للمصارعة . وظل محله مفتوحاً لكل أدباء ومثقفي السويس حيث كان يضم مكتبته كذلك. وقد كرمته هيئة قصور الثقافة وأصدرت له ديوانه ومختارات من أشعاره. كما كرمته السويس في العديد من المناسبات . حيث كان بمثابة أيقونة هذه المحافظة الباسلة. وفي كتابه "سنوات الحب والحرب" يقول المؤرخ والكاتب حسين العشي إن غزالي وفرقة أولاد الأرض ولدا من رحم واحد . وهو رحم المقاومة والرفض لكل أنواع القهر والاستبداد. ومن ثم لايستطيع أي باحث أن يفصل بين الرجل والتجربة. حيث نشأ غزالي بمدينة السويس التي ارتبطت بحركة المقاومة ضد كل أشكال القهر والاحتلال. ومنذ سنوات شبابه الباكر انضم لحركة الفدائيين في منطقة القناة ضد تواجد قوات الاحتلال البريطاني. وساهم في العديد من العمليات الفدائية وتعرض للموت أكثر من مرة واستمر في العمل النضالي حتي أسس فرقة أولاد الأرض بعد النكسة لتقف في وجه من يقبلون الهزيمة والاستكانة ولتساهم بدور محوري في تحقيق انتصار أكتوبر. بداية الرحلة كانت بداية فرقة أولاد الأرض الحقيقية هي نفسها بداية حرب 67. ومعاركها الضارية التي نالت السويس منها النصيب الأكبر. منذ بداية الحرب وحتي انتصار معركة 24 أكتوبر. وفيما بين هذين التاريخين لم تخلع السويس الرداء الكاكي. ولم تعرف لياليها سوي الإظلام التام. تنفيذاً لتعليمات الدفاع المدني. في سط الظلام والقهر الذي يعيشه ابناء السويس. بعد نكسة 67 برزت موهبة الكابتن غزالي . فجاءت أغانيه معبرة عن قسوة الواقع ورفض الاستسلام للهزيمة. وفي الأيام الأولي لفرقة أولاد الأرض والتي كان أغلبها من الفقراء والمقهورين الذين لايحلمون سوي بتحرير اليلاد. كانوا يجلسون علي البطانية الرصاصي في أرض الخندق. ولذلك أطلق عليها في البداية فرقة البطانية إلا أن الكابتن غزالي رأي أنهم أولاد هذه الأرض التي تفرز عبر مراحل التاريخ أبطال ورموز المقاومة الشعبية. ومن هنا سميت بأولاد الأرض. وقد اجتذبت العديد من الشعراء الذين قدموا أشعارهم إلي الكابتن غزالي ضمن منظومة شعراء المقاومة الشعبية . وكان بينهم شاعر السويس المبدع عطية عليان . والشاعر كامل عيد رمضان والذي غني له أولاد الأرض واحدة من أشهر أغانيه وهي " ياريس البحرية. ولم تكن الكلمات التي ينظمها الكابتن غزالي. وأعضاء فرقته. مجرد أغاني حماسية وحسب بل كانت تتجاوز الحدود لتعلن عن موقف الشعب المصري الرافض للهزيمة والاستسلام ومن بين هذه الأغاني: فات الكتير يابلدنا ما بقاش إلا القليل واحنا ولادك يا مصر وعنيكي السهرانين ونصرك صبح نشيدنا واللي يعادينا مين. وظل الكابتن غزالي يطوف المدن ويزور المهجرين في معسكراتهم الجماعية. يواسيهم في الغربة. ويوصيهم بالصبر. ويعدهم بالعودة بعد أن يتحقق النصر مرددًا أغنيته الشهيرة: غني يا سمسمية لرصاص البندقية ولكل إيد قوية حاضنة زنودها المدافع غني لكل مهاجر في الريف أو في البنادر في معسكر أو في شادر وقولي له علي عنيه غني ودق الجلاجل مطرح ضرب القنابل راح تضرب السنابل ويصبح خيرها ليا. وكانت الفرقة تطوف المدن والقري والنجوع ولكنها صدمت حين وصلت إلي العاصمة. ووجدت المثقفين يقضون أوقاتهم علي المقاهي. ولا يعنيهم ما يحدث علي الجبهة والشهداء الذين يسقطون كل يوم . فهاجمهم الكابتن غزالي قائلا: پيا شعرا/ يا كتاب/ يا نضال ع القهاوي / يا هم / يا غم/ يا سبب البلاوي. كما انتقد غزالي الإعلام المصري في تلك الفترة و ما تبثه الإذاعة المصرية من أغاني عاطفية . حتي أنه كان يسخر من أغنية عبدالحليم حافظ "سواح" لأ لأ / لأ لأ / لأ مش ح أغني للقمر/ ولا للشجر/ ولا للورد في غيطانه/ ولا نيش سواح/ ولا ح أقول للهوي طوحني/ طول ما فيكي يا بلدي شبر مستباح. انبهر الكثير من المثقفين المصريين والعرب. بتجربة -ولاد الأرض-. فكانوا يقومون بزيارات للسويس ويجلسون مع الكابتن غزالي في دكانه البسيط الذي يكتظ بمئات الكتب المتاحة لكل عشاق القراءة . حيث استقبل غزالي في دكانه رموز الفكر والثقافة ومنهم - صلاح جاهين. أمل دنقل. عبدالرحمن الأبنودي. ومحمود درويش الذي قال: عندما استمع إلي أشعار الكابتن غزالي أشعر أنني تلميذ في مدرسة شعر المقاومة. رحم الله الكابتن غزالي شاعر المقاومة الكبير وفي انتظار أن تقيم له وزارة الثقافة احتفالية تليق باسمه وعطائه.