في 22 فبراير من كل عام. كنا نحتفل بعيد الوحدة.. وليس بذكري الوحدة.. ففي هذا اليوم من عام 1958 أعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا برئاسة جمال عبدالناصر. كنواة لدولة عربية موحدة.. كانت سوريا هي الإقليم الشمالي. وكانت مصر هي الإقليم الجنوبي.. لم تدم التجربة أكثر من 3 سنوات.. ففي 28 سبتمبر 1961 وقع انقلاب عسكري في سوريا وأعلن الانفصال وإقامة الجمهورية العربية السورية.. وظلت مصر محتفظة بالاسم الرسمي "الجمهورية العربية المتحدة" حتي عام 1971. عندما سميت باسمها الحالي "جمهورية مصر العربية". انتهت التجربة ولم ينته الحلم.. كانت الوحدة العربية درساً ثابتاً في مناهجنا الدراسية.. تستذكر فيه الأجيال مقومات الوحدة وضروراتها ومزاياها.. فنحن في الأصل أمة واحدة "كل أخ عربي أخي".. ولكن الاستعمار هو الذي قسَّم هذه الأمة وقطع أوصالها لإضعاف قوتها من أجل السيطرة عليها. ونهب خيراتها.. والحدود بيننا مصطنعة. أقامتها اتفاقية سايكس/ بيكو المشئومة.. ورغم كل ذلك فسوف تظل وحدتنا هي ملاذنا الأخير.. وهي سر قوتنا.. بالوحدة نصنع المعجزات.. هكذا كانوا يقولون لنا.. ونحن نمتلك كل المقومات التي تحقق حلمنا: وحدة اللغة والدين والتاريخ. والمصالح والمصير. والتواصل الجغرافي. كنا نحتفل كل عام بهذا العيد القومي المجيد.. عيد الوحدة.. تحتشد الأغنيات الوطنية في وسائل الإعلام وفي المدارس لهذه المناسبة القومية الكبري.. ولا يجرؤ أحد علي أن يشكك في حتمية الوحدة وضرورتها الحيوية لهذه الأمة.. فبالوحدة ستكون أمتنا قوة عسكرية وسياسية فائقة مهابة الجانب.. تستطيع أن تسترد الأرض المسلوبة.. وتحرر فلسطين الحبيبة.. وتحافظ علي استقلالها ضد كل من تسول له نفسه الإضرار بمصالحها.. كما ستشكل كتلة اقتصادية هائلة تستطيع الصمود والمنافسة أمام الاقتصاديات الكبري في العالم.. وتوفر الرفاهية لشعوبها بما تمتلك من خيرات وثروات وإمكانات تتكامل لتخلق قوة اقتصادية إقليمية عظيمة. عفواً إن تحول المقال إلي درس قديم في التربية القومية.. فقد كان هذا هو حلمنا الكبير الذي تعلقنا به لسنوات.. حتي بدأ الحلم ينهار شيئاً فشيئاً بسبب الانتكاسات المتوالية.. فبعد انفصال سوريا دخلنا في صراع المحاور والأحلاف والزعامات.. ووقع الاستقطاب بين الرجعيين والتقدميين.. ثم وقعت هزيمة 1967 القاسية.. وكانت النتيجة أن انحسر المد القومي وخَفُتَ حُلم الوحدة التي "ما يغلبها غلاب".. وجري مسخه علي يد شخصيات عجيبة مثل القذافي. الذي ادعي أنه "أمين القومية العربية".. ثم انقلب عليها. وفي حرب 1973 استيقظ الحلم مرة أخري متأثراً بوقفة العرب مع دول المواجهة "مصر وسوريا" وقطع البترول العربي عن الدول التي تساند إسرائيل في أوروبا وأمريكا.. لكنها في الحقيقة كانت يقظة طارئة ومؤقتة.. إذ سرعان ما عدنا نتحدث بلسان الدولة القُطرية "الوطنية" في مفاوضات فك الاشتباك مع إسرائيل. وما تلاها من تداعيات انتهت بتوقيع معاهدة "منفردة" للسلام في ..1979 وقطع علاقات الدول العربية مع مصر.. ونقل مقر الجامعة العربية إلي تونس. لم يكن السادات وحدوياً.. كان منحازاً إلي "الدولة الوطنية".. وكثر في عصره الغمز بأن الوحدة كانت مشروعاً لفرض زعامة عبدالناصر علي كل الدول والشعوب العربية. وإقامة دولة كبيرة من المحيط إلي الخليج.. ولأن مصر دولة رائدة بطبعها في محيطها العربي. فقد قلدها الجميع.. كنا نقول "مصر أولاً" فترد علينا العواصم الأخري: "الكويت أولاً" و"الأردن أولاً" و"السعودية أولاً".. وهكذا. رويداً رويداً.. صارت "الوحدة العربية" مناقضة للدولة الوطنية.. بل صارت تعبيراً سييء السمعة.. وحُلماً ربما يقود صاحبه إلي غياهب السجن. أرأيتم كيف تنقلب الأحلام إلي كوابيس بفعل الزمن وتقلبات السياسة؟!!.. أرأيتم كيف أصبح حلمنا الأكبر أن نحافظ علي "الدولة الوطنية" نفسها من الانقسام والتفكك؟!!!