بعد رحلة طويلة استغرقت أكثر من عام ونصف العام. عاد الأستاذ الجامعي والناقد الكبير د.ماهر شفيق فريد إلي الوطن من إنجلترا. محملاً بأحدث التطورات في المشهد الثقافي الأوروبي. وهو ما قد يمثل توازناً معرفياً بحدث معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تحياه القاهرة الآن. يتحدث عن الظواهر الثقافية التي رصدها أثناء رحلته: أعتقد أن أبرز حدث هو فوز الشاعر والمغني الأمريكي بوب ديلان بجائزة نوبل للأدب. فربما كانت تلك هي المرة الأولي التي تخرج فيها الجائزة عن أطرها التقليدية لكي تحتفي بفنان ينتمي إلي الثقافة الشعبية وعالم الأضواء. أكثر مما ينتمي إلي طائفة الشعراء والروائيين والكتاب المسرحيين والفلاسفة والمؤرخين. لست شخصياً أوافق علي ذلك. ولا أري إن كان لرأيي قيمة أن ديلان جدير بالجائزة. لكن الذائقة الغربية قد شهدت تحولات جذرية منذ قرن في الأقل بحيث أصبحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قادرة علي أن تصنع نجوماً بين عشية وضحاها. مثل جيمس دين أو الفيس بريسلي أو مادونا. تخيل أن يفوز مغن بجائزة الأدب. ولا يفوز بها رجل من قامة إيسن أو تولستوي أو جويس أو بروست؟! تسأل: فما الحدث الذي يمكن أن نعتبره تالياً؟ قال: الحدث الأهم أو الذي كان يجب أن يكون أهم هو الذكري المئوية الرابعة لوفاة شكسبير في 1616 طبيعي أنه قد ظهرت عنه كتب نقدية عميقة. وكذلك أبحاث رصينة في المجلات والدوريات المتخصصة. لكن الاحتفالات به في وسائل الإعلام جاءت علي مستوي من التبسيط. بل التسطيح. الذي يسيء إليه. فقد قدموه كما لو كان من شعراء المقاهي والحانات. أو من فرقة الخنافس. وذلك كما هو واضح لكي يقربوه من الرجل العادي غير المتخصص. لقد تواري شكسبير الشاعر والكاتب المسرحي البصير بأعماق النفوس. لكي يبرز إلي المقدمة شكسبير آخر علي مقاس عام 2016. بل إن عرضاً حديثاً لمسرحية "الملك لير" تلك المأساة العاتية قد لعبت فيه امرأة دور الملك لير العجوز. وقد أصبح من الشائع الآن تقديم المسرحيات التاريخية بأزياء عصرية. بهدف تقريبها إلي المشاهد. وفي عرض حديث لمأساة عطيل لعب الممثل دانيل كريج صاحب أدوار جيمس بوند دور الشرير ياجو الذي بث سمومه في أذني عطيل. ومن التجارب الغريبة أن يعمد أدباء معاصرون إلي إعادة كتابة مسرحيات شكسبير بأسلوبهم الخاص. وهي محاولة مقضي عليها بالفشل من قبل أن تبدأ. هكذا رأينا إعادة صياغة لمسرحيات شكسبير تاجر البندقية. ترويض الشرسة. حكايات الشتاء. العاصفة. بأقلام كتاب كبار. لكنهم لم يستطيعوا الارتقاء إلي مستوي شاعر الإنسانية الأعظم. فجاءت أعمالهم بلا لون ولا طعم ولا رائحة. إعادة رسم الخريطة * ماذا عن الملامح التي استوقفتك خلال الفترة الماضية؟ فقدت الحياة الأدبية عدداً من الأدباء. أبرزهم الكاتب المسرحي الإيطالي داريو فو الحاصل علي نوبل للأدب في 1997. والشاعر والناقد الإنجليزي جيفري هيل. وهو شاعر صعب. لكنه موضع احترام النقاد والدارسين. ومع مقدم 2017 تستعد الأوساط الثقافية والتاريخية لإحياء ذكري المئوية الأولي لثورة أكتوبر 1917 في روسيا. وهي حدث غير خيراً وشراً من مسار التاريخ الحديث بأكمله. فنشأ الاتحاد السوفيتي. وأعيد رسم الخرائط السياسية والأيديولوجية والجغرافية. * ما الجديد في حقل الرواية والقصة القصيرة؟ هناك أعمال روائية وقصصية نالت نصيباً كبيراً من الاهتمام. لكني اعتقد أنه اهتمام مبالغ فيه. وأنه لا شيء من هذه الأعمال يرقي إلي مرتبة الكلاسيكيات التي تبقي علي الزمن. وربما كانت المفاجأة الكبري هي صدور رواية جديدة للروائية الأمريكية العجوز هاربر لي بعد صمت أكثر من نصف قرن. منذ أصدرت روايتها. أن تقتل طائراً بريئاً. "لها ترجمة عربية للدكتورة داليا الشال" في 1960 وهي الرواية التي تتناول التفرقة العنصرية في الجنوب الأمريكي. وقد نالت جائزة بولتزر أرفع الجوائز الأدبية الأمريكية وتحولت إلي فيلم من بطولة جريجوري بيك وظلت روايتها الوحيدة حتي اليوم. وهناك روايات لإيان ماكيوان "بالاختصار" والياباني المولد كازو إيشو جورو "العملاق الدفين" وزادي سميث "وقت الرقص" ورواية من تأليف دامين ويلكنز عنوانها "ماكس جيت" عن حياة الروائي الإنجليزي توماس هاردي الزوجية. وماكس جيت هو اسم البيت الذي كان يقيم فيه. في قلب الريف الإنجليزي. هذه كلها أعمال لا تخلو من تشويق وتتضمن أشياء بارعة سواء في رسم المشهد الاجتماعي أو في تحليل نفسية الأفراد. لكنها في مجموعها لا تمثل اختراقات كبيرة. * ماذا عن أحدث التطورات الفكرية والنقدية؟ لقد توارت أصوات البنيوية والتفكيكية وإن لم تختف تماماً وفي مقدمة اللوحة الآن. نجد النقد النسوي الذي رسخت مكانته في الجامعات. وفي الحياة العامة علي السواء "لنتذكر أن بريطانيا تحكمها الآن ملكة. ورئيسة وزراء كانت قبل ذلك وزيرة للداخلية". وكذلك علا شأن نقد البيئة. أي الذي يؤكد الصلة بين الأعمال الأدبية وبيئتها الجغرافية والإنسانية. والنقد الثقافي الذي يتناول مظاهر الحياة كافة كالموضة مثلاً بالنقد والتحليل. وهناك أعمال نقدية ممتازة من أمثلتها كتاب عن الشاعر اللاتيني كاتولوس وشعره الغرامي بقلم ديزي دن. وكتاب عن داني لماركو سانتاجاتا. وسيرة جديدة لحياة فلوبير بقلم ميشيل وينوك. وكتاب عن الشاعر الفرنسي أراجون بقلم فيليب فوريه. وكتاب عن الناقد الفرنسي رولان بارت بقلم تيفاني سامويو. ورسائل صمويل بيكيت في أربعة أجزاء ورسائل المؤلف الموسيقي الأمريكي جون كيدج. وهو موسيقار أحدث ثورة بموسيقاه الإلكترونية. واستخدامه الصمت والضجيج. وتمرده علي الهارمونية التقليدية. * هل هناك عروض مسرحية جديرة بالذكر؟ نعم فالمسرح هو أكبر نقطة مضيئة في لوحة المشهد الثقافي الإنجليزي اليوم. إننا إذا تغاضينا عن التقديم المبتذل لشكسبير. فسنجد أنه قد قدمت عروض ممتازة لعدد من المسرحيات القديمة والحديثة. إنجليزية وأوروبية وأمريكية. إن مستوي التمثيل والإخراج وسائر النواحي التقنية في المسرح الإنجليزي مستوي ممتاز. وراءه تاريخ عريق من الخبرة والإجادة يمتد ربما من مطلع القرن السادس عشر. وإلي جانب المسرح هناك الفرق الموسيقية التي تقدم موسيقي كلاسيكية راقية. ومعارض فنية متميزة. منها معرض لفنان عصر النهضة الألماني روينز. ومعرض للفنان الهولندي هيرنيموس بوش من القرن الخامس عشر. وهو يكاد يكون بشيراً بالسيريالية. ومعرض للفنان الروسي شاجال. ومعرض للفنان الإنجليزي فرانسيس بيكون الذي تنطق لوحاته بالتمزق والعنف والعذاب. ومعرض للنحات والمصور السويسري جياكوميتي. وقد كشف النقاب مؤخراً عن لوحة زيتية لم تكن معروفة من قبل. تصور أوسكار وايلد في شبابه. وفي قمة شهرته. رسمها الفنان الأمريكي روبرت بننجتون. وستعرض في معرض "تيت" للوحات الفنية بلندن هذا العام. خطوات جديدة * وماذا عن وضع أدبنا العربي المعاصر علي الخريطة العالمية؟ هل هناك أي خطوات جديدة في هذا السبيل؟ من الجميل أن الغرب بعد أن تعرف إلي العديد من روايات نجيب محفوظ وقصصه القصيرة قد أتيحت له الفرصة الآن للتعرف إليه كاتباً للمقالة الفلسفية والأدبية والاجتماعية والعمود الصحفي. فقد أصدرت دار نشر في لندن كتاباً عنوانه "عن الأدب والفلسفة" يضم مقالات محفوظ الأولي التي كان نشرها له سلامة موسي في "المجلة الجديدة". إلي جانب مقالات في مجلات أخري نشرت في ثلاثينيات القرن الماضي. ترجم هذه المقالات الدكتور رشيد العناني أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة إكسترا في إنجلترا. وفي لندن خلال أكتوبر الماضي ألقي أنطون شماس رئيس تحرير مجلة "بانيبال" التي تصدر بالإنجليزية عن الأدب العربي المعاصر. محاضرة في قاعة المؤتمرات بالمكتبة البريطانية. عنوانها "نقط عمياء: ألف من اللغة العربية مترجمة من ابن الهيثم حتي وليم فوكنر. مروراً برواية دون كيخوتة". ونشرت مجلة "باريس رفيو" نصاً للشاعر أدونيس. كما صدر له كتاب عنوانه "العنف والإسلام: حوار مع حورية عبدالواحد يتضمن آراءه فيما يجري في عالمنا اليوم وأصدرت دار "فايكنج" كتاباً للأديب الليبي هشام مطر. عنوانه "العودة: آباء وأبناء والأرض بينهما" يروي فيه ذكرياته عن أبيه المناضل السياسي الذي وقف ضد طغيان معمر القذافي. وفي سلسلة بنجوين صدرت رواية لراجية حسيب. عنوانها "لغة المعجزات" عن أسرة مصرية تعيش في الولاياتالمتحدة. وهي الرواية الأولي لمؤلفتها. وعن دار نشر أمريكية صدرت رواية لياسمين الرشيدي عنوانها "تاريخ صيف أخير" عن فتاة مصرية تبلغ سن الرشد مع ثورة 2011.