لم تشهد الإسكندرية أياماً شديدة القسوة علي نفوس الفقراء والمحتاجين خلال شهر رمضان مثلما حدث هذا العام. حيث كانت الإسكندرية من حالة التقشف في فعل الخير. ربما ليس بسبب الحالة الاقتصادية بقدر ما هي ظروف سياسية جعلت الجميع يمتنعون عن فعل الخير الكثير الذي يغرق به القاصي والداني بالثغر.. فلأول مرة منذ سنوات اختفت صناديق الخير والتي كانت توزع بجمعيات خيرية معروفة بالاسم. بالإضافة إلي الحزب الوطني المنحل وأعضاء المجالس المحلية وأعضاء مجلسي الشعب والشوري. فقد أصبح جميع من عمل بالسياسة يخاف من إخراج أمواله خوفاً من صرف النظر حتي عن فعل الخير. في الوقت الذي انخفضت فيه التبرعات الموجهة للجمعيات الخيرية والتي كانت تتيح الفرص للعديد من الجمعيات لتوزيع الصدقات وأكياس الخير.. وهو ما جعل بعض الجمعيات لا تقوم بتوزيع صناديق الخير إلا بعد أن انتصف شهر رمضان وبكميات قليلة بعد أن توفرت السيولة لديها.. وأصبح من المعتاد أن نشاهد الطوابير من البسطاء بالمناطق الشعبية أمام أحد محال أو مكاتب القيادات الطبيعية بالمنطقة. أو الذين يعتزمون خوض الانتخابات القادمة للحصول علي الكميات القليلة التي يتم توزيعها علي استحياء. ولا تتناسب مع الشهر الكريم أو حتي مع وجود انتخابات برلمانية الشهر القادم. ولم يختلف الحال بالنسبة لموائد الرحمن التي اختفت هي الأخري من الشارع السكندري وأصبح العثور عليها يمثل صعوبة وكأننا نتحدث عن تاريخ مضي. يقول الحاج عبدالنبي محمد- صاحب محل لبيع الجملة- كنت خلال شهر رمضان من كل عام أتعامل مع "200" زبون يقومون بإعداد شنط رمضان وتتراوح طلبات كل منهم ما بين ألفين إلي خمسة آلاف حقيبة رمضانية. الأقل في الكمية كان يطلب "500 حقيبة فقط". أما هذا العام فلم يطلب مني سوي "ثلاثة أشخاص" فقط تجهيز حقائب الخير لهم. وبكميات قليلة للغاية لا تتعدي المائتي حقيبة تقريباً. بالإضافة إلي طلبهم بألا تكون مكونات الحقيبة من مصانع الدرجة الأولي. ولكن من المصانع الأهلية توفيراً للنفقات. يضيف خالد عبدالسميع- بقال- توجه عدد كبير من تجار التجزئة لشراء كميات كبيرة من السلع المعروضة بسعر الجملة فمحال السوبر ماركت بمنطقة الداون تاون والتي كانت معروضة بأسعار منخفضة. لأعداد الحقائب الرمضانية وتحقيق مكاسب بها. ولكن الإقبال المنخفض جداً علي إعداد حقائب الخير كما يطلق عليها جعل البضائع تظل لدينا بلا توزيع. خاصة وأن طالبي الحقائب أصبحوا يخفضون من محتوياتها. فمن يضع كيساً للسكر لا يضع معه علبة للشاي مثلاً. واختفي أيضاً قمر الدين وجوز الهند والزبيب والبلح من الحقائق الرمضانية. توفيراً للنفقات وأصبحت السلع الأساسية جداً هي المكونة لأكياس رمضان.. وهكذا. يقول محمد عبدالقادر وشهرته محمد حلاوة "صاحب محل حلواني". لقد كنا نتعاقد مع معظم موائد الرحمن لتوريد القطايف وبلح الشام أو "لقمة القاضي" إلا أن هذا العام لم نجد من نتعاقد معه سوي خيمة أو اثنين بأقصي تقدير. وهو ما اضطرني لأن استعين بعربة أضعها أمام واجهة المحل للبيع بالتجزئة حتي نعوض خسارتنا. يضيف "علي كنافة" صاحب محل لبيع الكنافة بالجملة" أن موائد الرحمن كانت مصدر رزق كبيراً لنا ولكن للأسف الشديد هذا العام اختفت الموائد واختفي الطلب علي الكنافة والقطايف والجلاش. أضاف الحاج محمد عبداللاه- إمام مسجد الفتح- انخفضت بالفعل أعداد موائد الرحمن علي مستوي الإسكندرية هذا العام. حتي أصبحت نادرة خوفاً من أعمال البلطجة والسرقة أو أن يستغل أحد الخيمة ويستولي عليها .