ما أجمل هذا الإسلام وما أحسنه!! لقد تعامل مع الإنسان علي أنه هذه الجوهرة المكنونة التي تحكم حقوقها المبادئ ويحكم مسيرتها الشرف والكرامة ويحكم بقاءها الأمن والترفع عن العوز المادي وما دام الأمر كذلك فإن آحاد الناس كجماعاتهم في استيفاء هذه الحقوق فلا يجوز لواحد من الناس أيّاً كان نوعه أن يعتدي علي حق مسلم في الحياة أو حتي في مجرد الأمن ولقد أطلق الله هذا المبدأ في القرآن شاملاً لجميع العصور ما مضي منها قبل القرآن وما عاصر القرآن وما جاء بعده "من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" "المائدة: 32". وعكس هذا الفعل محكوم بالمبدأ نفسه "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً". ومن يتأمل خطاب الشرع يجد أنه ينهي الفرد بشدة عن أن يعتدي علي حق حياة غيره. وهو في المقابل ينهي جميع الأفراد مجتمعين أو منفردين عن أن يعتدوا علي حقه في الحياة. ولقد رفع الله عقوبة الجاني الذي يستلب حق حياة أخيه إلي أقصي درجات العقوبة ما دام قد فعل ذلك عن عمد فطلب من الهيئة التنفيذية في الدولة الإسلامية أن تقتله قصاصاً استيفاءً لحق أهل القتيل وحفاظاً علي أمن الجماعة. ولا تسقط هذه العقوبة إلا إذا أسقطها أولياء دم القتيل. أما حق الجماعة الذي سماه الإسلام حق الله فإنه لا يسقط أبداً. حيث لا تملك الجماعة إسقاطه ولم يوكل به الله أحدا ليسقطه. ومع غلاوة الإنسان ورفعة قدره فإن مرتبته تتهاوي بالجريمة علي حسب حجمها. فإن قتل صار مهدر الدم. وإن سرق قطعت يده في ربع دينار. مع أن ديتها إذا اعتدي عليها بالقطع الخطأ كانت خمسمائة دينار. وقد ظن بعض الذين لا يفقهون أن الإسلام متضارب. حيث جعل دية اليد خمسمائة دينار وقطعها في ربع دينار. فقال المعترض شعراً: يد بخمس مئين عسجد وديت .. ما بالها قطعت في ربع دينار فرد عليه عاقل من المسلمين يفهم أسرار دينه قائلاً من نفس القافية: عز الأمانة أغلاها وأرخصها .. ذل الخيانة فافهم حكمة الباري أ. د. طه حبيشي أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة- بكلية أصول الدين - جامعة الأزهر