في اليوم الأول للتقديم، 5 مرشحين لانتخابات التجديد النصفي بفرعية الصحفييين بالإسكندرية    بالزي الفرعوني.. استقبال مميز للطلبة في كلية الآثار بجامعة دمياط    وزير الاتصالات: إتاحة تقنيات الجيل الخامس ستنعكس بالإيجاب على الاقتصاد القومي    المستشار محمود فوزي: الوزارة بابها مفتوح أمام جميع أعضاء البرلمان    وزير الصحة: انخفاض معدل الإنجاب فى 2021 من 2.8 ل2.5 مليون    خبير عسكري يكشف دلالة ظهور الفرقة 91 الإسرائيلية في المشهد اللبناني    قائمة بيراميدز - تواجد أوباما وأوجولا.. وغياب الكرتي عن معسكر تركيا    دوري المحترفين، الترسانة يتقدم على منتخب السويس بهدف في الشوط الأول    ميكالي يناقش إقامة معسكر منفصل للاعبين المحترفين    تسهيل وممارسة الدعارة والاتجار في البشر، حيثيات سجن شريكة سفاح التجمع 10 سنوات    ساعدت فى جلب السيدات.. الجنايات: شريكة سفاح التجمع قدمت له نفسها وابنتها    زغاريد فلسطينية وهتافات تحيا فلسطين قبل عرض أفلام من المسافة صفر بمهرجان وهران    القاهرة الإخبارية: حماس تعلن عن حالة المحتجزين الإسرائيليين فى غاية فى الصعوبة    الصحة: الانتهاء من 20 مشروعا لتطوير المستشفيات ب 11 محافظة يناير المقبل    وزير الصحة أمام مجلس النواب: تكليف من الرئيس السيسى بالتوسع في المدن الطبية المتكاملة    تحليل الاقتصاد برؤية إصلاحية    غدا.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمي تهكير مواقع التواصل الاجتماعي    وزارة الزراعة تنفى إغلاق حديقة الزهرية بالزمالك وتؤكد: مفتوحة أمام الجمهور    تصريح جديد من حكومة الاحتلال حول اغتيال هاشم صفي الدين.. ماذا قالت؟    ما الفرق بين شبكات الجيل الرابع 4G والخامس 5G للاتصالات؟    بمشاركة هنا الزاهد وانجي كيوان.. سلمى أبو ضيف تنشر صورها من مباراة دوري كرة السلة الأمريكي بأبو ظبي    الأزهر للفتوى: الإنفاق في الخير لا يشمل المال بل النية والعاطفة    وزير الإسكان: مصر مستعدة لنقل خبراتها بمجال التنمية العمرانية بالعراق    "عشان يكسب فلوس".. حبس المتهم بتزوير المستندات الرسمية بعين شمس    فيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف محيط مطار بيروت    القوات الأوكرانية: وقوع إصابات بجانب المطار العسكري في ستاروكونستانتينوف    «النواب» يوافق على زيادة حصة مصر في صندوق النقد الدولي    "بسيوني" يتقدم بأوراق ترشحه لانتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين بالإسكندرية    وكيل وزارة صحة البحيرة يتفقد أعمال القافلة الطبية العلاجية بمحلة الأمير    هددها بنشر صور فاضحة.. السجن 5 سنوات لسائق حاول استدراج سيدة لعلاقة آثمة بالشرقية    رغم أنهم طيبون.. 3 أبراج يتم الحكم على نواياها بشكل خاطئ في العمل    مؤاسل «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تستعد لتنفيذ عملية برية جديدة في لبنان    عضو ب«النواب»: التحالف الوطني ذراع أساسي في مسيرة البناء والتنمية بمصر    افتتاح معرض «إرادة شعب» في متحف الحضارة لتخليد ذكرى انتصارات أكتوبر    وزارة الثقافة تطلق أسبوعا مكثفا للشباب بسوهاج ضمن مبادرة «بداية»    «الرعاية الصحية» تعلن نجاح جراحتين لزراعة القوقعة في مجمع الإسماعيلية الطبي    محافظ أسيوط يتفقد وحدة الفيروسات الكبدية والمركز الصحي الحضري بمديرية الصحة    اليوم.. كلية الدراسات الإفريقية العليا تنظم ندوة بعنوان «نصر أكتوبر وتأصيل الانتماء لدى الشباب»    رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة شغل وظائف معلم مساعد 2024    جامعة عين شمس تنظم احتفالية كبيرة بمناسبة الذكرى 51 لانتصارات أكتوبر    السبب غامض.. سقوط طالبة من الطابق الثالث لمدرسة ثانوية في قنا    مرشح "الأوقاف" في مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم يُبهر المشاركين والمحكمين    تقنية «mRNA» تقود العالمين فيكتور وروفكون للفوز بجائزة نوبل للطب بعام 2024    انتشال جثة طفل غرق في ترعة النوبارية بالبحيرة    8 مطربين لبنانيين يجمدون حفلاتهم بسبب أحداث بيروت (تقرير)    بسبب عدم الانضباط.. إحالة مدير مدرسة للتحقيقات في قنا    سيد معوض: الكرة المصرية تعاني من أزمة في الظهير الأيسر    بوكا جونيورز ينهي مسلسل هزائمه في الدوري الأرجنتيني    الإنجليزى أوفى إيجاريا يصل اليوم للخضوع للاختبار فى الزمالك    عام على غزة.. 10 آلاف مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج بعد تدمير المستشفى الوحيد    وزير الشباب والرياضة يبحث الفرص الاستثمارية وتسريع وتيرة تطوير الإنشاءات    "هو انت تستحق؟".. الغندور يفجر مفاجأة اعتراف إمام عاشور ل كولر    باكستان: مقتل 3 أجانب وإصابة آخرين بانفجار قرب مطار كراتشي    كيف رد الشيخ الشعراوي على شكوك الملحدين في وجود الله؟.. إجابات تزيل الحيرة    بمستهل تعاملات الأسبوع.. سعر الذهب فى مصر يتراجع 5 جنيهات    أشرف سنجر: مصر تدافع عن شعب أعزل سواء الفلسطيني أو اللبناني    الدكتور حسام موافي ينتقد الإسراف في حفلات الزفاف: "ستُسألون عن النعيم"    «الإفتاء» توضح طريقة الصلاة الصحيحة لمن يسهو في الركعات بسبب المرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا دار في اجتماع جولدا مائير مع مجلس الحرب يومي 3 و 5 أكتوبر1973؟

إن حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.. هي درة الانتصارات في تاريخ مصر الحديث.. وفي تاريخ الأمة العربية بأسرها.. حرب استحوذت ببراعة التخطيط.. ودقة التنفيذ.. وعزم الرجال وإصرارهم علي تحقيق الأهداف.. علي اهتمام جميع الخبراء والمحللين الاستراتيجيين علي اختلاف جنسياتهم.. وتباين رؤيتهم وآرائهم.. غير أن ما يتوج روؤسنا.. ويطيل هاماتنا.. ويزيدنا ثقة بأنفسنا وبقدرتنا علي صنع التاريخ.. هو ما شهد به الأعداء.. وأقر به حلفاؤهم ومناصروهم من المهتمين بعلوم الاستراتيجية وفنون الحرب.
ولقد صدرت عن الجانب الإسرائيلي الكثير من الكتب والإصدارات التي تحمل انطباعات وذكريات ومشاعر كبار المسئولين السياسيين والقادة العسكريين الذين شاركوا في الحرب.. والتي توضح بجلاء حجم الصدمة التي أصابتهم.. والقلق الذي انتابهم.. والإعجاب بالأداء المصري الذي فاجأهم.. ومن خلال كلماتهم.. وسطور كتبهم وإصداراتهم.. يمكن للمرء أن يدرك عظمة ما حققته مصر وجيشها في تلك الحرب.. ويلمس بوضوح أن المصريين شعب يمتلك دوماً إرادة النصر.. ولديه العزم والقدرة علي تحقيقه مهما كانت العوائق.. ومهما عظمت التحديات.
جاءت حرب أكتوبر بعد حربين مريرتين هما حرب يونيو 1967 "حرب الأيام الستة كما يحب الإسرائيليون أن يصفوها ويروجوا لها". والتي فتحت نتائجها والانتصارات التي حققوها في تلك الحرب أبواب الغرور لقادة إسرائيل السياسيين والعسكريين علي مصراعيها . فتباروا في غطرسة وعشق للذات في إظهار براعتهم وعبقريتهم . وتسابقوا في إبراز قوة وقدرة جيشهم ووصفوه بالجيش الذي لا يقهر . أما الحرب الثانية فهي حرب الاستنزاف الطويلة والمريرة . والتي اعترف الجنرال الإسرائيلي عيزرا فايتسمان بأنها أطول حرب في تاريخ دولة إسرائيل . وأول حرب تخسرها إسرائيل وتتكبد فيها خسائر فادحة.. غير أن تلك الحرب علي قسوتها وعظم تضحياتها . كانت في المنظور المصري تمثل ميداناً جامعاً للدروس والخبرات العلمية والعملية التي اكتسبتها القوات المصرية من خلال الاشتباكات شبه اليومية في البر والبحر والجو ضد القوات الإسرائيلية في سيناء والبحار المحيطة . وهي الميدان الذي أعادت فيه القوات المسلحة تنظيمها وصياغة قدرتها القتالية واستعدادها لشن حرب أكتوبر المجيدة . والتي هزت نتائجها إسرائيل بعنف بالغ . وأيقظتها من نشوة غرور النصر ووهم التفوق . وأسقطت نظريتها في الأمن والردع . وكشفت زيف ادعاء قادتها وترويجهم لجيش الدفاع الذي لا يقهر.
ونحن نعرض هنا لأقوال بعض قادة إسرائيل خلال المراحل الرئيسية لحرب أكتوبر المجيدة بأسلوب علمي.. وبتناول موضوعي.. ونرصد رؤية وفكر كبار قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين وبعض المحللين الاستراتيجيين العالميين وانطباعاتهم حول ما تضمنته تلك المراحل من إجراءات عبقرية سواء في التخطيط لتحقيقق المفاجأة بأبعادها المختلفة.. أو في التنفيذ وإدارة العمليات وما تحلت به من جرأة وشجاعة فائقة.. مع المواءمة في تحقيق أهداف الحرب بين الهدف السياسي والأهداف الاستراتيجية.. وجميعها تم تنفيذها بكفاءة أذهلت العالم.. وأصبحت دروساً مستفادة تمثل معينا لا ينضب للمهتمين بدراسة فنون الحرب.. ولخبراء الاستراتيجية.. وللمنشغلين بالبحث العلمي.. والدراسات الأكاديمية.
أولاً: مرحلة التخطيط للحرب:
وتتضمن تلك المرحلة التخطيط العام للعمليات كما قدرتها القيادتان المصرية والسورية . وعن التخطيط الاستراتيجي للحرب ومدي البراعة التي تميز بها يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي أنتوني كوردسمان:
لقد وضعت الاستراتيجية المصرية إسرائيل في موقف دفاعي غير مريح لم يتعود جيشها عليه . حيث كانت إسرائيل دائماً هي صاحبة المبادأة وهي التي تبدأ بشن الهجوم . ولكن مصر أجبرتها علي الدفاع والتحصن في حصون لم تكفل لجنودها أي نوع من الوقاية".
وفي كتاب "حرب يوم الغفران" يشير رئيس المخابرات الإسرائيلية في حرب أكتوبر الجنرال إيلي زعيرا إلي خطة الخداع المصرية التي عجزت أجهزة المخابرات الإسرائيلية عن فهم مكنونها أو تحليل ظواهرها.. حيث يقول الجنرال الذي اتهم في تحقيقات الحرب بالتقصير:
" إن خطة الخداع المصرية وسر نجاحها أدركته القيادة المصرية في إخفائها لتوقيت شن الهجوم.. ولم يخرج العلم به بعيداً عن دائرة الرئيس السادات وعدد قليل جداً من كاتمي أسراره.. مع البراعة في بساطة التخطيط للحرب وللخداع.. وهكذا سارت مناورات الجيش المصري لتنفيذ هذه الخطة البسيطة لشن الحرب.. من خلال تنفيذ إحدي هذه المناورات ".
وفي مذكراته عن تلك المرحلة من الحرب يقول الجنرال ديفيد أليعازر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي وقت الحرب:
" تأكد لدينا أن القوات المصرية قامت بتسريح 60 ألف جندي حتي سبتمبر 1973 . ومرة أخري وقفت القيادة الإسرائيلية أمام تناقض جديد " .. ثم يتساءل.. " كيف سيتم القيام بعمل عسكري مع هذه التصريحات وتسريح الجنود . كما أن المصريين سمحوا لبعض العائلات المصرية بالعودة مؤقتاً إلي مدن القناة خلال شهر رمضان " ..
ثم يتابع أليعازر: " لقد وقعنا في مصيدة خطة خداعية مصرية ذكية.. ونحن بمنتهي السذاجة ابتلعنا الطعم الأول ف خطة الخداع . وبقدر ذكاء هذه الخطة كان القصور في أجهزة مخابراتنا".
مجلس حرب
وكان مجلس الحرب الإسرائيلي قد انعقد مرتين قبل يوم الحرب. كانت المرة الأولي يوم الثالث من أكتوبر حيث عرض تقرير للمخابرات يشير إلي أن مصر تقوم بإجراء مشروع تدريبي سنوي يتكرر في الربيع والخريف من كل عام.. أما في سوريا فإن إسقاط 13 طائرة يوم 17 سبتمبر لا يزال يثير تخوف القوات السورية ولذلك فإنهم يقومون بتدعيم دفاعاتهم في الجولان . أما الاجتماع الثاني فقد عقد يوم الخامس من أكتوبر بحضور رئيسة الوزراء جولدا مائر التي كانت قد عادت لتوها من النمسا حيث استمعت لتقرير حول الموقف الذي تضمن معلومات حول سحب الخبراء والعائلات السوفيتيه من كل من مصر وسوريا في اليوم السابق . وتساءلت جولدا مائير في هذا الاجتماع.. لماذا يقدم المصريون علي الحرب ؟.. وماذا سوف يحققون لو حاربوا ؟.. وكان التقدير العام أن مصر وسوريا متخوفون من هجوم إسرائيلي.. وكان القرار هو إرسال رسالة تطمين للدولتين عن طريق أمريكا.
غير أن رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير قد استشعرت مساء الخامس من أكتوبر ببعض القلق وخاصة علي الجبهة المصرية . فاستدعت رئيس الأركان ديفيد أليعازر إلي مقرها وسألته سؤالاً محدداً.. هل في قدرة المصريين أن يوقعوا هزيمة بإسرائيل فيما لو قاموا بالهجوم ؟.. وكان رد رئيس الأركان قاطعاً حيث قال: سيدتي.. إن خط بارليف حصين.. ولن يتمكن المصريون من اجتيازه . وفي حالة إقدامهم علي المغامرة بالهجوم فسوف نحول مياه القناة إلي اللون الأحمر بدمائهم " .. وقد اقتنعت رئيسة الوزراء بتأكيده هذا وذهبت لتغط في نوم عميق.
وفي كتابها الشهير الذي صدر بعد الحرب بعنوان "حياتي" قالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل معبرة عن دهشتها من خداع المصريين لأجهزة المخابرات الإسرائيلية:
" صباح يوم 6 أكتوبر قبل بدء الحرب مباشرة.. تأكد لنا من خبرائنا أن المصريين لن يحاربوا.. وإذا حاربوا فلن يكون ذلك في أكتوبر.. وإذا كان في أكتوبر فإنهم علي أية حال لن يعبروا القناة.. وإذا عبروها فلن يكون ذلك إلا علي جثث مائة ألف مصري.. ولن يستمر عبورهم أكثر من ست ساعات.. بعدها تدخل القوات الإسرائيلية إلي قلب مصر " ...ثم تتابع منتقدة أجهزة مخابراتها فتقول:
" لقد سخرت هذه الحرب من المخابرات الإسرائيلية وهزمتنا أمام أنفسنا".
رئيس المخابرات
ويلقي رئيس المخابرات الإسرائيلية الأسبق الجنرال حاييم هيرتزوج بدلوه في وصف براعة التخطيط المصري في كتابه "حرب التكفير" فيقول:
" لقد تمكنت المخابرات المصرية من الحصول علي تفاصيل الخطة الإسرائيلية المضادة لأي هجوم مصري.. بل إن الخطة التي وضعتها القيادة الإسرائيلية لعبور القناة ثبت أن المخابرات المصرية استطاعت أن تحصل علي تفاصيلها.. بل والأكثر من ذلك.. أن المخابرات المصرية قد نجحت في الحصول علي خريطة مسجلة بالشفرة السرية تمكن المصريون من فك رموزها.. وكان من وراء هذه الأخطاء واقعة مصرع الجنرال / البرت مندلر قائد المدرعات الإسرائيلية عند المدخل الغربي لممر الجدي بمجرد ذكر الإسم الرمزي للمكان الموجود به للجنرال صموئيل جونين قائد الجبهة الجنوبية في سيناء ".
موشيه ديان
وقد جاء تعبير موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في كتابه الذي يحوي مذكراته عن فترة الحرب ويحمل عنوان "حياتي".. ليقطر من خلال كلماته بالأسي والألم علي ما أصاب إسرائيل من صدمة نشوب الحرب فيقول:
" لم يكن أحد حتي صباح يوم الغفران يتوقع أن تنشب الحرب في ذلك اليوم.. ولم أكن الوحيد الذي اعتقد ذلك.. لقد كنا نشاهد ما يحدث.. ولكننا لم نفهم ما يحدث ".
وحول تلك المرحلة من مراحل حرب أكتوبر تباري الكثيرون من المحللين والخبراء الإسرائيليين والغربيون في الإدلاء بآرائهم في دقة وبراعة التخطيط المصري.. ففي كتاب "زلزال في أكتوبر " الذي أصدره المراسل الحربي الإسرائيلي الشهير زئيف شيف بعد الحرب مباشرة.. عبر في افتتاحيته عن رؤيته وانطباعه الخاص إزاء قدرة المصريين علي التخطيط وإدارة الحرب علي النحو الذي أذهل إسرائيل والعالم فيقول:
"إن حرب عيد الغفران هي أول حرب خطط فيها العرب جاهدين علي ألا يتركوا شيئاً للصدفة.. وفي هذه المرة كانت المبادرة والمفاجأة الإستراتيجية للعرب.. لقد استند تخطيطهم إلي عدة أمور.. منها أن أسرائيل وجيشها مستعدان لحرب خاطفة فقط.. وأن أسرائيل غير مؤهلة أقتصادياً للاستمرار في التجنيد لأكثر من 20 يوماً.. وفي محاولة من المصريين لتفهم الحالة النفسية للأسرائيليين توصلوا إلي أن الطريقة المثلي في جعل إسرائيل تنهار هي التخطيط لإيقاع خسائر كبيرة في أرواح جنودها.. ومن الممكن القول أن التخطيط المصري للعبور كان علي مستوي راق ورفيع" .
كما عبر سبعة من كبار الصحفيين والمراسلين الحربيين الإسرائيليين يترأسهم "يشياهو بن بورات" في كتاب أعدوه سوياً بأسم "المجدال" ويعني التقصيرعلي تلك المرحلة بقولهم
" إن تحديد موعد الهجوم في 6 أكتوبر لم تخططه القيادة المصرية اعتباطاً.. بل تم تحديده طبقاً لدراسات دقيقة شملت التحليل الدقيق للمواقف السياسية والاجتماعية والجومائية وموقف أوضاع القوات واحتمالات العمليات الإسرائيلية المضادة" .
تخطيط محكم وشجاعة وبسالة
ووصف المراسل الإسرائيلي جان كلور جيبون مرحلة التخطيط في كتاب له بعنوان "أيام إسرائيل الرهيبة" قائلاً:
" إن الجيش المصري قد مزج بين التخطيط المحكم والشجاعة والبسالة مما جعله يبهر إسرائيل والعالم أجمع.. لقد قدر السادات وأحمد اسماعيل جوانب القوة والضعف في إسرائيل بصورة محكمة.. وتم ذلك باقتدار وحنكة فريدين
وفي كلمته أمام الندوة الاستراتيجية العالمية بجامعة القاهرة في أكتوبر عام 1975 قال الخبير الاستراتيجي ديبوي:
" لا يحتاج فشل جهاز المخابرات الإسرائيلي إلي تحليل مفصل.. بل كان فشلاً ذريعاً.. حيث تركز نشاط المخابرات العسكرية علي النوايا المعادية بينما تجاهل القدرات المعادية لأنها لم تكن بالحسبان.. وقد أدي الخطأ في حساب القدرات العربية إلي نظريات زائفة حول النوايا العربية.. وعلي الجانب الآخر يجب إعطاء فصل كبير إلي الأمن العربي والسرية التي حجبت الحقائق "
ثانياً: مرحلة العبور واقتحام قناة السويس:
وإذا ما انتقلنا إلي مرحلة العبور العظيم واقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف.. فإننا نلحظ في أقوال القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين مدي ما انتابهم من رعب وفزع إزاء الاندفاع المقرون بالشجاعة والإقدام وتحدي المخاطر والأهوال التي تميز بها جنود الجيش المصري عند اقتحامهم القناة ومهاجمتهم تحصينات خط بارليف.. وفي وصف تلك المرحلة من الحرب نرصد قول "آمنون كابيلوك" في كتابه الذي صدر عام 1974 بعنوان "إسرائيل وانتهاء الخرافة" :
" لقد اندفع الهجوم المصري عبر قناة السويس كالإعصار.. وقد صاحب ذلك قصف نيراني مصري شامل ومركز علي خط بارليف والمنشآت الواقعة وراءه شرقاً.. وبصفة خاصة المطارات وقواعد الدفاع الجوي الإسرائيلي في سيناء وعلي طول خط يمتد لأكثر من 160 كم مواجهة..
ثم يستطرد فيقول" : وقد استمعت محطات اللاسلكي التابعة للقيادة العامة في المؤخرة تعليقات تنطوي علي الذعر والهلع من أفواه المدافعين عن المواقع الإسرائيلية الحصينة.. لقد جاءت حرب أكتوبر ومعها مفاجأة إضافية.. ألا وهي المقاتل المصري.. لقد اكتشف الجنود الإسرائيليون جندياً مصرياً شجاعاً ومستعداً لبذل التضحيات".
صدمة وهيستيريا
وقد ذكر أيضاً في كتاب "المجدال أو التقصير" الذي أعده سبعة صحفيون إسرائيليون عملوا مراسلين حربيين فترة الحرب
" لقد عبر المصريون القناة بمئات من الزوارق ومن أماكن كثيرة.. وأصيب جنودنا بالصدمة.. فقد ظن الجميع أنه حلم.. وقال البعض هذا غير معقول.. إنه حلم.. المصريون يعبرون القناة.. فقد بدأ القصف النيراني المصري الكثيف لدك حصوننا.. وأصبح من بقي علي قيد الحياة في حالة هستيرية.. وكان الجميع في حالة توسل ورجاء لطلب معاونة من القوات الجوية والمدفعية والدبابات الإسرائيلية لنجدتهم "
ففي الساعة الرابعة عصر يوم السادس من أكتوبر وقف موسي ديان يتحدث إلي الصحفيين بثقة وغرور معلقاً علي الأخبار الواردة من جبهة قناة السويس حيث قال:
" غداً مساءً عندما يصل الاحتياط إلي الخط سوف تبدأ الحرب الحقيقية وسنحيل المنطقة إلي مقبرة لهم.. وسوف ينتهي القتال بانتصارنا في الأيام القادمة".
ولكنه حين توالي تدفق القوات المصرية عبر القناة وتوالت هزائم القوات الإسرائيلية أمام الهجوم المصري عاد موسي ديان يواجه الواقع المرير الذي أحاط بالقوات الإسرائيلية ويخلع عنه رداء الثقة والغرور . حيث يصف في كتابه "حياتي" الموقف الخطير الذي تعرضت له القوات الإسرائيلية وفشل القيادة في تقدير الموقف واتخاذ القرارات المناسبة قائلاً:
" لقد كانت لي نظرية في أن إقامة الجسور سوف تستغرق منهم طوال الليل.. وأننا سوف نستطيع منع ذلك بمدرعاتنا.. ولكن تبين أن هذه ليست مسألة سهلة.. ولقد كلفنا جهدنا لإرسال الدبابات إلي القناة ثمناً غالياً جداً.. فقد أحدثت الأسلحة المضادة للدبابات التي استخدمها المصريين خسائر فادحة في المدرعات الإسرائيلية.. وكانت هذه نقطة خطأ أساسية من رئاسة الأركان.. فنحن لم نتوقع ذلك "
وخلص كل من المحللين الاستراتيجيين كريستوفر مايهيو ومايكل آدمز في كتاب لهما بعنوان "ليس للنشر" إلي عظمة ما قام به المصريون في تلك المرحلة من الحرب بقولهم:
" إن المصريين قد حققوا نجاحاً فوق المتوقع بعبور القناة واقتحام التحصينات القوية لخط بارليف.. لقد كان إنجازاً مثيراً بأي مقياس من المقاييس.. أن يعبر جيش مانعاً مائياً كقناة السويس يصل اتساعه أكثر من 200 يارده.. ويحميه ساتر ترابي يتراوح ارتفاعه بين 30 و50 قدماً.. بخلاف التحصينات القوية الملاصقة.. إن أي جيش يحقق ذلك.. وفي ساعات قليلة.. بل وفي وضح النهار.. إنما يحقق نجاحاً مذهلاً.. ضخماً ورائعاً.. وعندما يكون الجيش الذي يقوم بمثل هذا العمل في موقف الجيش المصري.. الذي عاني من ذكريات مأساوية لما حدث في عام 1967.. فإن النجاح يكون أكبر.. بل إنه يتعدي حدود النجاح المتعارف عليها ".
ففي مؤتمر صحفي لموشيه ديان خلال تلك المرحلة قال في معرض إجابته علي أسئلة وسائل الإعلام:
" إني أريد أن أصرح بمنتهي الوضوح بأننا لا نملك الآن القوة الكافية لإعادة المصريين إلي الخلف عبر قناة السويس مرة أخري.. إن المصريين يملكون سلاحاً متقدماً.. وهم يعرفون كيف يستخدمونه ضد قواتنا.. ولا أعرف مكاناً آخر في العالم كله محمياً بكل هذه الصواريخ ".
وفي إجابته عن سؤال حول موقف القوات الجوية بعد ثلاثة أيام من الحرب.. قال ديان بنبرة حزينة:
" إن السلاح الجوي يواجه الكثير من المصاعب.. وقد فقد الكثير من الطيارين والطيارات.. لقد خسرنا خلال الأيام الثلاثة من الحرب أكثر من خمسين طائرة ومئات من الدبابات ".
ثم يشير ديان إلي المتغيرات التي أحدثتها وقائع القتال في الفكر الإسرائيلي فيقول: " علينا أن نفهم أننا لايمكننا الاستمرار في الاعتقاد بأننا القوة الوحيدة العسكرية في الشرق الأوسط.. فإن هناك حقائق جديدة علينا أن نتعايش معها ".
ويختتم ديان تصريحاته لوسائل الإعلام قائلاً: " إن إسرائيل تخوض الآن حرباً لم تحارب مثلها من قبل.. فهذه حرب صعبة.. معارك المدرعات فيها قاسية.. ومعارك الجو فيها مريرة.. إنها حرب ثقيلة بأيامها.. وثقيلة بدمائها ".
اعترافات شارون
وعلي الصعيد الميداني لتلك المرحلة.. يطالعنا الجنرال إيريل شارون قائد الفرقة 143 المدرعة أثناء الحرب بمقتطفات من كتابه "المحارب" .. والتي يصف فيها المحنة التي عاشتها القوات الإسرائيلية في سيناء.. وخاصة في الأيام الأولي للحرب فيقول:
" في اليوم الأول.. وخلال الأربع ساعات الأولي للقتال.. فقدنا 200 دبابة من عدد 300 دبابة كانت تمثل النسق الأول لوحداتنا المدرعة.. في الوقت الذي فشلت فيه جميع هجماتنا المضادة السريعة ".
ثم يضيف في موقع آخر من الكتاب:
" لقد حقق المصريون النصر.. أما قواتنا فكانت في أسوأ حالاتها.. إن هذا الجيل من قواتنا والذي حارب من قبل ولم يهزم.. كانوا في حالة من الصدمة والذهول ويتساءلون.. كيف استطاع المصريون أن يعبروا قناة السويس ونحن ندافع عنها.. كيف كانوا يتقدمون ويحققون النصر ونحن ننهزم ونتراجع".
وعن يوم 8 أكتوبر الذي دارت فيه واحدة من أكبر معارك الدبابات في التاريخ.. وسمي في إسرائيل بالإثنين الأسود يقول شارون في كتابه:
" كان يوم 8 أكتوبر هو الإثنين الحزين والأسود في تاريخ جيش الدفاع الإسرائيلي.. فلم يحدث في تاريخ الحروب السابقة.. أن فقد الجيش الإسرائيلي مثل هذه الأعداد من القتلي والجرحي والأسري والشاردين".
وفي كتاب آخر أصدره شارون بعد الحرب يتضمن مذكراته وسيرته الذاتية.. يقول في إحدي صفحاته عن معارك يوم 9 أكتوبر:
" في صباح يوم 9 أكتوبر.. أصدرت تعليماتي لقادة الألوية المدرعة الثلاثة بخطة الهجوم جنوب الطريق الأوسط.. وفي الساعة الواحدة والنصف ظهراً دفعت باللواء المدرع تحت قيادة أمنون ريشيف.. والذي هاجم في اتجاه الطالية.. فتكبد خسائر هائلة.. فقد كان تحت قيادته 100 دبابة.. وبنهاية يوم 9 أكتوبر لم يتبقي منها سوي 14 دبابة فقط.. وانهارت معنويات جيش الدفاع الإسرائيلي".
أداء المصريين اختلف
وفي دهشة وذهول يتساءل الجنرال أبراهام أدان قائد الفرقة 162 المدرعة في كتابه "علي ضفتي القناة" متحدثاً عن معارك يوم 8 أكتوبر التي منيت فيها فرقته بهزيمة قاسية وفشلت في تحقيق الهجوم المضاد الذي شنته في اتجاه الجيش الثاني الميداني:
" لماذا ارتفع أداء المصريين وانخفض أداؤنا ؟.. ما هذا التغير الذي حدث ؟! .. إنهم يقاتلون أفضل كثيراً مما كانوا يقاتلون في الماضي.. إن هذا التغير مختلف تماماً عما شاهدناه في حروبنا السابقة "
ويذكر الجنرال ديفيد أليعازر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي وقت الحرب حادثة هامة جرت بتلك المرحلة في كتاب له بعنوان "مذكراتي" فيقول:
" تحت ضغط من الجنرال شارون ليلة 11/12 أكتوبر.. وبعد قتال عنيف حول الموقع الحصين بلسان بورتوفيق جنوب القناة علي مدار أسبوع.. بذلت محاولة أخيرة لإنقاذ قواتنا في ذلك الموقع.. وألقيت المهمة علي عاتق وحدة من الكوماندوز البحريين.. وكان الهدف هو التقدم في قوارب عن طريق خليج السويس لإخلاء الرجال من الموقع الحصين.. وبعد أن قامت هذه القوة بدراسة الخرائط.. خرجت لتنفيذ مهمتها.. ولكنها لم تكد تقترب من هدفها حتي شق سكون الليل قصف نيراني مصري ثقيل.. وتوالت الانفجارات.. وأصيبت القوارب.. ثم ما لبثت أن دمرت وأغرقت بمن فيها ".
وفي برنامج تكوما "البعث الجديد" والذي أذيع بالقناة الأولي بالتليفزيون الإسرائيلي.. يقول عوفر كرومي وهو ضابط إسرائيلي خاض حرب أكتوبر علي الجبهة المصرية:
" كنت أعلم أنني أشارك في حرب ضخمة تختلف عن حرب يونيو عام 1967.. وعن حرب عام 1956.. وكنت أعتقد أنني سأعود إلي البيت لكي أحتفل بهذا الانتصار الباهر الذي سنحققه في حرب 1973.. ولكنني عدت إلي البيت باكياً.. محطماً.. وبدلاً من أن أحكي قصص البطولة.. وجدتني أوبخ نفسي علي التقصير الذي حدث مني.. وأقوم بحصر عدد القتلي.. وأتحدث عن أمور لم أتحدث عنها في الحروب السابقة.. وشعرت كأنني جندي عائد من فيتنام".
ويجمل موشيه ديان موقف إسرائيل في مرحلة معارك الدبابات في كتابه "حياتي" فيقول:
" كان من الواضح أن الموقف في القناة أسوأ منه في الجولان السورية.. فالمصريون قد نجحوا في عبور المانع المائي وأحرزوا بالفعل مكاسب ضخمة.. وتعرضنا نحن لضربة قوية وخسائر فادحة إلي الدرجة التي دعت السيدة جولدا مائير رئيسة الوزراء أن تتصل تليفونياً بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وتقول له وهي تبكي.. إنقذوا إسرائيل".
معركة المزرعة الصينية
ومع استمرار تطور أعمال القتال شرق القناة.. وبسالة القوات المصرية في التمسك بمواقعها التي وصلت إليها.. وتكبيدها القوات الإسرائيلية خسائر فادحة في العتاد والأرواح.. يصف الجنرال إيريل شارون معركة المزرعة الصينية التي دارت يومي 15 و 16 أكتوبر في نطاق الجيش الثاني الميداني في كتابه "المحارب" فيقول:
" لقد استطاعت وحدات المشاه المصرية أن تنشئ شبكة من الخنادق والمواقع الدفاعية القاتلة والمتشابكة.. لقد دارت معركة مدرعات بين الجانبين المصري والإسرائيلي.. وفي صباح يوم 16 أكتوبر.. رأيت نتائجها علي الطبيعة.. كان المنظر مخيفاً للغاية.. نظرت حولي فوجدت مئات الدبابات والمركبات المدمرة والمحترقة.. 70 دبابة إسرائيلية مدمرة ومبعثرة علي أرض المعركة.. لقد دارت المعارك علي مسافات قليلة لا تتعدي الأمتار بين الجانبين.. وبداخل هذه الدبابات ترقد الأطقم التي قتلت.. كان منظراً مروعاً للغاية.. لقد فقدنا 300 قتيل ومئات الجرحي في هذا القتال الشرس".
وفي كتاب مترجم بعنوان "ديان يعترف" يصف وزير الدفاع الإسرائيلي ضراوة القتال وفداحة الخسائر الإسرائيلية في تلك المرحلة من الحرب وخاصة ما حدث في منطقة "المزرعة الصينية" فيقول:
" عندما عاد قائد إحدي الوحدات المدرعة الإسرائيلية وإسمه "إريك" مصاباُ في رأسه روي بأنه هو ورجاله احتلوا موقعاً علي الضفة الشرقية للقناة بعد معارك وحشية تكبدوا فيها خسائر رهيبة حيث قتل منهم أكثر من مائتي رجل من لواء "آمنون" كما قتل أيضاً القادة الذين حلوا محلهم.. فأصبح القادة الحاليون هم الصف الثالث.. وقد ضربت معظم الدبابات واحترقت أو دمرت وتركت محترقة عند الاستحكامات المصرية القوية للمزرعة الصينية.. وقد حرصت علي زيارة المزرعة الصينية فوجدت فيها مشهداً لا يمكن أن أنساه.. بل لم أره في حياتي من قبل حتي في أفلام السينما.. فهاهي آثار المذبحة التي حدثت وما زال آثار الدخان يتصاعد من بقاياها كدليل علي المعركة الرهيبة التي دارت رحاها في هذا المكان " .
ثغرة الدفرسوار
رابعاً: القتال غرب القناة
ثم جاءت مرحلة القتال غرب القناة والتي تعرف بثغرة الدفرسوار.. تلك التي ظلت إسرائيل تتباهي وتتفاخر بها حتي خضعت لتقييم وتقدير الخبراء والمحللين الإستراتيجيين.. فلم يجدوا فيها سوي محاولة فاشلة لاستعادة الروح المعنوية بين الجنود ولدي الشعب الإسرائيلي.. وعن هذه المرحلة من مراحل الحرب يقول الجنرال ديفيد اليعازر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي في مذكراته عن يوم 17 أكتوبر:
" كان القصف المصري كقطرات ثابتة من القذائف.. ولكنه تحول الآن إلي ما يشبه الأمطار الإستوائية من قذائف المدفعية.. وقنابل المدافع والكاتيوشا من عيارات مختلفة.. وتلقت إحدي العائمات علي القناة إصابة مباشرة أحدثت فتحة ضخمة في مركزها.. وقتل عدد كبير من أفراد سلاح الهندسة.. ثم أصابت قذيفة ثقيلة إحدي المعديات الأخري إصابة مباشرة فغرقت في المياه بسرعة.. وكان عليها دبابتان بطاقميهما.. ولم تفلح أي محاولة لإنقاذهما.. كما أدت شراسة النيران المصرية إلي وقوع خسائر ضخمة جديدة مع تعويق لعملية إقامة الجسر العائم".
ويستطرد الجنرال أليعازر في مذكراته فيقول موضحاً خلاصة رأيه في عملية القتال غرب القناة:
" إن عبورنا إلي الجانب الغربي من القناة قد كلفنا خسائر فادحة.. ومع ذلك فإننا لم نستطع طوال عشرة أيام من القتال أن نخضع أي جيش من الجيوش المصرية.. فالجيش الثاني صمد ومنعنا منعاً نهائياً من الوصول إلي مدينة الإسماعيلية.. وبالنسبة للجيش الثالث فعلي الرغم من حصارنا له إلا أنه قاوم.. بل تقدم واحتل بالفعل رقعة أوسع من الأراضي شرقاً.. ومن ثم فإننا لا نستطيع أن نقول أننا هزمناهم أو أخضعناهم ".
وفي تقرير لجنة أجرانات التي شكلت عقب الحرب للنظر في التقصير الذي اتسم به أداء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الحرب.. قال السرجنت زفي من ناتانيا وهو أحد الذين اشتركوا في التسلل إلي الضفة الغربية للقناة في مغامرة الثغرة:
" كانت منطقة عبور القوات الإسرائيلية أشبه بجهنم . فالمصريون كانوا يدمرون كل شئ يتحرك من الجانب الإسرائيلي.. ثم بدأ عدد القتلي والجرحي يتزايد بشكل رهيب.. حتي أنني قمت بنفسي بنقل أكثر من مائة جثة.. هذا غير مئات الجرحي.. لقد كانت الضفة الغربية مكانا رهيباً.. مئات القتلي وآلاف الجرحي.. ولم نستطع أن نقدم لهم أي شئ تحت النار المصرية المستمرة ".
وقال الضابط الذي كان يقود فيلق المهندسين في تلك العملية:
" لقد كنا تحت النار المصرية التي لا تتوقف.. ولقد كان رجالنا هدفاً سهلاً للمدفعية المصرية.. كما كانوا هدفاً للطائرات المصرية القاذفة والمقاتلة.. لقد فقد كل واحد منا صديقاً أوقريباً.. لقد رأينا جهنم حقيقة.. جهنم التي لم نرها في الحروب السابقة إطلاقاً ".
عملية تليفزيونية
ولقد تناول كثير من المحللين الإستراتيجيين مرحلة القتال غرب القناة في حرب أكتوبر بالدراسة المستفيضة والتحليل العميق.. وجاءت آراؤهم لتؤكد علي فشل القوات الإسرائيلية في تحقيق أي هدف استراتيجي يعادل هزيمتها الواضحة والجلية شرق القناة.. ولننظر إلي ما قاله الخبير البريطاني الجنرال إدجار أوبلانس في استعراضه لأحداث ما يعرف بثغرة الدفرسوار حيث يقول:
" مما لا شك فيه أن القوات الإسرائيلية قد نجحت في العبور بضربة حظ.. علي الرغم من أنهم لا يعترفون بذلك.. ولولا الكميات الهائلة من الدعم الأمريكي التي مكنت الإسرائيليين من القيام بمئات من طلعات الطيران يومياً عبر الثغرة.. مستخدمة أحدث الوسائل الألكترونية المضادة لمواجهة الصواريخ المصرية.. ولولا تجاهل إسرائيل الصارخ لقرارات مجلس الأمن الدولي لوقف النار أكثر من مرة.. لولا ذلك كله لما تمت الثغرة.. وعلي الرغم من ذلك فقد أصيبت إسرائيل بخيبة أمل مرتين.. الأولي عندما فشلوا في دخول السويس.. والثانية عندما فوجئوا بصمود الجيش الثالث.. إنني أري أن وصف عملية الثغرة بأنها "عملية تليفزيونية" هو وصف دقيق.. وإن كنت أفضل استخدام وصف "معركة دعائية" .. لأن العالم ركز اهتمامه عليها بعد أن توخي الأمريكيون والإسرائيليون قدراً كبيراً من الحرص والعناية في توجيهها.. فقد كان الإسرائيليون يريدون استرجاع صورة الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر.. لقد كانت معركة الدعاية "أو عملية الثغرة" حافلة بكثير من الأباطيل التي حاول بعض الإسرائيليون أن يؤكدوها.. وهي أباطيل تولد كثيراً من الآمال الزائفة ".
حقيقة مهمة
ويأتي وصف أحد خبراء الإستراتيجية وهو الكولونيل بريج كومار نارايان ليؤكد حقيقة العملية الإسرائيلية غرب القناة ومحدودية أهدافها وتأثيرها علي الوضع النهائي للحرب.. فيقول في كتابه "الحرب الرابعة":
"نتيجة للخسائر الفادحة التي تكبدتها إسرائيل.. وتحت الضغط السياسي والعسكري والاستراتيجي.. وبعد أن مدت أمريكا إسرائيل بجسر جوي وبحري ضخم.. وجدت إسرائيل الفرصة مواتية لشن عملية الدفرسوار غرب القناة.. وحاولت أن تحيط هذه العملية بأضخم دعاية ممكنة لكي تحجب حجم الخسائر الفادحة التي منيت بها نتيجة النجاح الضخم الذي حققته الجيوش العربية.. ولكن بات واضحاً أن هذا النجاح المحدود الذي حققته إسرائيل لا يستطيع أن يحيد آثار النصر العسكري العربي ولا يحجب الهزيمة التي لحقت بإسرائيل.. لقد أثيرت عشرات التساؤلات حول عملية الدفرسوار.. وحاول الكثيرون الانسياق وراء الدعاية الإسرائيلية واستخدامها كمبرر للانتقاص من حجم وقيمة الإنجاز العسكري المصري.. ولكن لا بد أن نؤكد حقيقة مهمة.. وهي أن جميع هذه التساؤلات والمحاولات لم تنل من قيمة هذا الإنجاز.. ولم تستطع إخفاء حقيقة العزلة السياسية التي أضحت عليها إسرائيل.. إن نتائج أي حرب يجب أن تقاس بمضمونها العام.. وبما أسفرت عنه من تطورات ومتغيرات شاملة.. وليس بحساب المكاسب والخسائر التكتيكية المحدودة علي هذا الجانب أو ذاك.. والتي هي شيء طبيعي في أي عملية عسكرية".
وفي هذا الصدد أيضاً يقول الخبير العسكري أندريه دويتش في كتاب له بعنوان "خفايا حرب الشرق الأوسط".
" الحقيقة أن الخطة الإسرائيلية فشلت وبشكل درامي.. وكما اتضح تماماً بعد ذلك.. فإن هذه العملية الإسرائيلية قد حققت فقط نجاحاً في الحد الأدني من أهدافها السياسية.. ولقد كان الهدف السياسي الرئيسي هو رفع الروح المعنوية للجيش وللشعب الإسرائيلي.. والحصول علي ورقة للمساومة.. وحتي في هذه الحدود.. فإن الأمر احتاج إلي استغلال إسرائيلي وغد لانتهاكات وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر73".
المقاتل المصري
خامساً: المقاتل المصري مفاجأة الحرب
وأروع ما جاء بحق الأداء المصري علي لسان قادة إسرائيل في كتبهم ومذكراتهم وتصريحاتهم.. تلك التي كانت حول واحدة من أكبر مفاجآت الحرب التي قدمتها القوات المصرية في معزوفة العبور.. ألا وهي المقاتل المصري.. وقد أشار إلي شجاعة وكفاءة الجندي المصري المراسل العسكري الإسرائيلي زئيف شيف في كتابه "زلزال في أكتوبر" .. حيث يقول في صفحاته من 64 إلي 68:
" لقد جاء الانقضاض المصري يوم 6 أكتوبر سريعاً.. وتقدمت دباباتنا إلي قلاع خط بارليف الحصينة لنجدتها.. فتدمر ثلثها في الحال بصواريخ الجنود المصريين المترجلين.. ثم بعد ظهر نفس اليوم 6 أكتوبر.. أصدر الجنرال صموئيل جونين قائد الجبهة الجنوبية في سيناء أوامره لقادة الدبابات بعدم الاقتراب كثيراً من أفراد المشاه والكوماندوز المصريين ".
ثم يستطرد في الصفحة 120 من نفس الكتاب فيقول:
" بعد أن كانت الدبابات الإسرائيلية تمثل أحد ذراعي إسرائيل الطويلتين.. أصبحت أذرع أفراد المشاه المصريين أكثر طولاً وتأثيراً".
ثم يخلص برأيه عن أداء الجندي المصري في الحرب فيقول:
" قبل يوم عيد الغفران.. كان الاعتقاد السائد لدي القوات الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي عن الجندي المصري.. أن لديه باعثاً منخفضاً.. ومن الصعب عليه استخدام أسلحة حديثة.. ولكن حرب عيد الغفران أذهلت الإسرائيليين من الأداء الرائع للجندي المصري.. وبدأت تعيد تقديرها لهذا المحارب".
وعلي صفحات كتاب أمنون كابيلوك الذي صدر عام 1974 بعنوان "إسرائيل وانتهاء الخرافة" .. يقول أحد القادة الإسرائيليين الميدانيين:
" لقد تقدمنا بدباباتنا في اتجاه المشاه المصريين المترجلين.. وكم كانت دهشتنا كبيرة إذ رأيناهم يبرحون أماكنهم ويطلقون علينا الصواريخ.. ولم تكن مواقعهم تبعد كثيراً عن دباباتنا.. ومع ذلك.. فقد كانوا يطلقون النار علينا في ثبات ولا يهربون".
ويقول المعلق الإسرائيلي إيتان هيفر في هذا السياق:
" لقد نجح المصريون في إنزال جنود كوماندوز بأعداد كبيرة في جنوب وشمال قناة السويس.. حيث برزت كفاءتهم النادرة.. وأحدثوا في وحداتنا المدرعة خسائر ضخمة ".
قوات انتحارية
وعودة إلي كتاب "المجدال أو التقصير" ل "بن بورات وآخرون" .. حيث يقول أحد قادة الوحدات المدرعة بحق الجندي المصري:
" لقد قاتل جنود الكوماندوز المصريين بشراسة مجنونة.. لقد كانوا قوات انتحارية بحق.. فقد ألقوا بأنفسهم علينا.. وكانوا يبدون وكأنهم لا يخشون أو يرهبون شيئاً.. ورغم خسائرهم.. إلا أن الكوماندوز المصريين لم ينسحبوا أو يتقهقروا مطلقاً.. ويمكن القول أنهم قد عزموا علي ألا يسمحوا لدباباتنا بالمرور إلا علي جثثهم.. وبالنسبة لنا لم يسبق أن اصطدمنا بمثل هذه القدرة القتالية العالية ".
وفي وصف جامع لشجاعة وبسالة الجندي المصري في حرب أكتوبر المجيدة.. يقول الجنرال ديفيد أليعازر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي خلال الحرب في كتاب عن سيرته الذاتية:
" كان المشاه المصريون مفاجأة رهيبة لنا.. كل التقارير التي تلقيناها كانت تقول أن ضرباتهم لمدرعاتنا وحصوننا بالغة الدقة والجسارة.. لقد اتضح أن ذراع هؤلاء المشاه المصريين أطول من مدافع دباباتنا وطائراتنا.. بل إن بعضهم كان يلقي بنفسه فوق الدبابات ليفجرها.. لقد أثارت أعمالهم الانتحارية ارتباك رجال مدرعاتنا وانهيار من تبقي من قواتنا في خط بارليف".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.