هل درست وزارة الأوقاف جيداً قرارها الخاص بتشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة خطب الجمعة بما يتوافق كما يقول القرار مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية وحياتية وواقعية وتعميمها مكتوبة؟.. أم أن هذا القرار سوف يلحق بسابقيه حول الخطبة الموحدة والأذان الموحد ويكون مصيره الفشل؟! وهل فعلاً صدور قرار بهذا الشكل سيكون كفيلاً أو حتي يمثل خطوة علي طريق تجديد الخطاب الديني أم يدمر الخطاب الديني من الأساس؟.. وهل تيقنت وزارة الأوقاف من أن علماءها المنتشرين علي مستوي الجمهورية سوف يلتزمون بهذا القرار؟!! المؤكد أن صادر هذا القرار. حتي وإن كان السيد وزير الأوقاف ليس علي دراية كافية بعلماء مصر الأزهر. ولا علي دراية كافية بالمصلي المصري الذي يستقبل خطبة الجمعة. في فترة الصبا كنت أصلي بمسجد خطيبه ضعيف البصر وكان يقرأ خطبة الجمعة من وريقات مكتوبة أو مطبوعة لديه. وكانت الخطبة تتحول إلي حصة تصحيح من المصلين للخطيب الذي كان بالكاد يري الكلمات بالوريقات التي يقرأ منها. فكان المصلون الجالسون يصححون له الحديث أو الآية القرآنية أو حتي الجمل العادية في سياق الكلام وكان يصيب المصلين وأنا منهم حالة من تأنيب الضمير لصلاة الجمعة بهذا المسجد خلف هذا الخطيب الذي اعتبرنا كلنا تلاميذ في المرحلة الابتدائية يقرأ علينا كلاماً يعتقد أنه جديد ويضيف إلينا بينما الحقيقة أن كل ما كان يذكره هذا الخطيب كان محفوظاً لجميعنا عن ظهر قلب أضف لذلك عدم انتباه وتفاعل المصلين مع الخطيب والخطبة وكنا نخرج من المسجد كما دخلناه.. لا جديد!! هل هذا ما يريده الدكتور وزير الأوقاف في القرن الواحد والعشرين الذي أصبحت فيه كل المعارف متاحة ومصادر المعلومات الدينية وغير الدينية تحت أيدي الأطفال قبل الشيوخ؟ هل هان علماء مصر أبناء الأزهر علي السيد وزير الأوقاف إلي هذا الحد الذي يراهم فيه مجرد آلة صماء تقرأ ما يفرض عليها تماماً كالتلاميذ في الامتحان عندما يصبحون ملزمين بعبارة "اكتب ما يُملي عليك"؟! هل تخيل السيد وزير الأوقاف حال المصلين وهم يستمعون لخطبة مكتوبة من الخطيب بينما نصفهم يغلبه النعاس بسبب عدم الانتباه والتفاعل مع الخطيب وعباراته الجاذبة كما كان يفعل علماؤنا الراحلون الشيخ الشعراوي والشيخ إسماعيل صادق العدوي والشيخ كشك وغيرهم؟ ثم ما هي معايير اختيار أعضاء اللجنة المشكلة لوضع الخطبة المكتوبة؟ وهل هم أكثر علماً من كل الخطباء؟ وهل أسلوبهم الخطابي "المكتوب" هو الأسلوب الأمثل لخطبة الجمعة. وأخيراً هل توقع السيد وزير الأوقاف نتيجة هذا القرار؟ أنا أقول له: النتيجة الحتمية هي نفور المصلين وهروبهم من مساجد وزارة الأوقاف ولجوؤهم لزوايا الشيوخ المتطرفين فيكون بذلك قد أضر البلاد والعباد من حيث أراد لهم المنفعة؟. يا معالي وزير الأوقاف أعلم أنه يمكن تعميم موضوع خطبة الجمعة ولكن علي أن تترك حرية اعداد الخطبة للخطيب. يستشهد بالآيات والأحاديث التي يراها مناسبة لموضوع خطبته. ويتبع الأسلوب الخطابي المناسب لجمهوره من رواد المسجد. وهم كما نعلم في القرية خلاف المدينة أو الجامعة أو المصنع وفي القاهرة خلاف القري والنجوع. وإذا كانت الوزارة تخشي كما قالت في بيانها من إطالة الخطباء أو الخروج عن الموضوع أو الدخول في أمور سياسية فلها رجالها ومفتشوها الذين يراقبون خطباء الأوقاف ولها اتخاذ الاجراء المناسب ضد أي خطيب يتجاوز. يا معالي وزير الأوقاف أقولها بمنتهي الصراحة والوضوح: خطبة الجمعة المكتوبة مشروع فاشل قبل أن يبدأ حتي ولو بدأته فضيلتك بخطبة مكتوبة من مسجد عمرو بن العاص غداً إن شاء الله.