فجأة أصبحت فاتورة الأجور هي المتهم الأول وراء عجز موازنة الدولة. وفي الشهور الأخيرة لم تكل الحكومة أو تمل من تكرار تصريحات علي لسان وزراء ومسئولي المجموعة الاقتصادية من عينة "الأجور تضاعفت خلال السنوات المالية الثلاث التالية للثورة" "الأجور تستحوذ علي 25% من الانفاق العام" وغيرها من التصريحات التي تنتقد زيادة الأجور!! ورغم أن تحسن دخول الموظفين ووضع حد أدني للأجور ربما كان المكسب الوحيد من ثورة 25 يناير. إلا أن الحكومة تري أن هذا كان خطأ كبيرا في الوقت الذي لم تر فيه عدم الالتزام بتنفيذ الحد الأقصي للأجور أي غضاضة كما أنها لم تعترض مطلقا أو تبدي تذمرا عندما تسربت الكثير من الفئات من تطبيق الحد الأقصي ولم تر فيه أي عبء علي الموازنة. ليصبح العبء الوحيد هو الحد الأدني الذي لا يتجاوز ال "1200 جنيه" والتي لم تعد تكفي تغطية الاحتياجات الأساسية للمواطن. فما بالك بالأسرة!! وفي الوقت الذي لا تفتأ الحكومة تذكرنا بعبء الأجور وتسعي بكافة الوسائل لتمرير قانون الخدمة المدنية بعد تعديله. تتجاهل أنها قامت خلال السنوات الأخيرة باسترداد جانب كبير من زيادة الأجور التي حصل عليها المصريون بعد الثورة وذلك من خلال زيادة أسعار الكهرباء التي ارتفعت بنحو 40% خلال العام الماضي والحالي "تطبق الزيادة الجديدة بدءا من يوليو الجاري". كما استردت الحكومة زيادة الأجور ايضا من خلال رفع الدعم التدريجي عن الغاز والمياه ومن قبل ذلك زيادة المحروقات "البنزين" والتي انعكست علي أسعار وسائل النقل الخاص وأسعار السلع. تتجاهل الحكومة أيضا زيادة أسعار السلع والخدمات والتي تجاوزت زيادة الأجور منذ الثورة وحتي الآن في ظل غياب تام للرقابة علي الأسواق والاكتفاء بالتدخل لعرض سلع غذائية بأسعار منخفضة ورغم أهميتها إلا أنها عجزت عن التأثير في مستويات الأسعار التي تعاني من ارتفاعها شرائح واسعة من الشعب خاصة الطبقة المتوسطة التي تآكلت خلال السنوات الأخيرة. كما تتجاهل الحكومة ان جانبا من زيادة الأجور استردته أيضا في شكل ضرائب باعتبار ان الموظف هو اكثر فئات المجتمع التزاما بدفع الضرائب وبنسب لا تقل سوي 2% عن الضريبة التي يدفعها اصحاب الملايين "22%" وذلك بعد تخفيض سقف الضريبة من 30% إلي 22% ليستفيد منها الاغنياء دون الموظف المتوسط الذي يدفع 20% عن أجر يبدأ من 2000 أو 2500 جنيه. وتتباهي الحكومة بأن زيادة أجور وتعويضات العاملين بالدولة خلال العام المالي المنقضي أو خلال ال 11 شهر الأولي منه علي وجه التحديد لم تتجاوز نسبة 7.4% وهي أقل نسبة زيادة خلال السنوات الثلاث الأخيرة وفقا لتقرير وزارة المالية لشهر يونيو الماضي وترجع الوزارة هذا الانجاز إلي ما أسمته الاصلاحات التي تستهدف السيطرة علي فاتورة الأجور التي بلغت 185 مليار جنيه. ولا يذكر أحد من وزراء الحكومة أن معدل زيادة الأجور كان أقل كثيرا من معدل التضخم الذي تجاوز ال 11% هذا العام وهو ما يعني أن الأجور الحقيقية للمواطنين انخفضت بنحو 3.5%. عجز الموازنة لا يتحمل مسئوليته الموظف. وإنما تتحمله الحكومة التي لم تنجح في انتهاج سياسات اقتصادية ومالية تهدف إلي تنشيط القطاعات الانتاجية والسياحية بما يؤدي لزيادة الموارد إلي جانب ترشيد الانفاق فضلا عن تنازل الدولة طوعا عن جانب من الموارد الضريبية عندما خفضت سقف الضريبة من 30% إلي 22% وإلغاء الضريبة الاستثنائية علي الدخول الأكثر من مليون جنيه والتنازل عن ضريبة البورصة والأرباح الرأسمالية خلال العامين الاخيرين. فضلا عن وجود متأخرات ضريبية تقدر بنحو 80 مليار جنيه خلال العام الأخير وفقا لتقديرات مصلحة الضرائب. باختصار الموظفون وأجورهم ليسوا سبب عجز الموازنة.. ابحثوا عن الأسباب الحقيقية. والعلاج المناسب.