كانت القصور الملكية قبل ثورة 23 يوليو 1952 أكبر منابع صناعة الفساد.. فساد في كل شئ.. أما ابطال هذه الصناعة.. فهم الحاشيه وأيضا الشماشرجية. الذين هم في واقع الأمرخدم الملك.. وهم بالتالي اكثر الناس انفراداً والتصاقاً بالملك.. وعلي هذا واستنادا إلي القرب من الملك استمد هؤلاء سلطانهم ونفوذهم بل كان الوزراء يحسبون ألف حساب لهؤلاء الشماشرجيه. وقد برز من بينهم سائق نوبي الأصل يحمل الشهادة الابتدائية وكان حتي عام 1919 كان يعمل سائقاً في الجيش الانجليزي وفي عام 1922 نقل إلي مصلحة الركائب بالقصر بمرتب قدره ستة جنيهات وستون قرشاً وبقي في هذه المصلحة يعمل سائقاً مثل أي سائق آخر.. وعندما تولي فاروق الملُك.. تم ترشيح "حلمي" لتعليم الملك علي قيادة السيارات وكان السائق الخاص له. وبمرور الوقت أصبح أشبه بمدير القصر.. الكل يعمل له ألف حساب.. فكان يعد تقارير شئون الدولة ويؤشر ببعض التأشيرات المقتضبة بالرفض أو الإيجاب أو طلب المزيد من الاستفسارات وقد اعتاد الملك في السنوات الأخيرة من حكمه أن يعطي أذنيه لهذا السائق حيث يقرأ عليه التقارير والمذكرات أثناء الأفطار.. باختصار كان كل شيء في حياة الملك.. وأيضا كان الراعي الرئيسي لكل حالات الفساد!! من هنا صعد محمد حلمي حسن سائق الملك الخاص عندما رقاه إلي مراتب الضباط حتي وصل إلي رتبةعميد.. وكان الضباط يتساءلون عن سر هذا التحول الفجائي من سائق إلي مرتبة الضباط العظام!! دون مروره علي لجان ترقيات وتعيينات الضباط.. فقد كانت هذه الترقيات تأتي إليه بأمر من فاروق. وطبيعي أن يشعر "حلمي" بمركزه وحظوته وخطره في القصر ولكنه كان واحدا من ثلاثة يقومون علي خدمة الجناح الملكي.. ولكنه كان اكثرهم شهرة ونفوذاً وأحد صناع الفساد وأكثرهم استغلالاً للنفوذ ولوظيفته التي قربته من الملك وان كان قد سبق وقال.. "الناس هي التي تحقق لي ما أريد بدون أن أتكلم.. هم يفعلون لأنهم يعرفون وظيفتي ومركزي!! فكان فاروق فعلا يقربه حتي عن سكرتيره الخاص الدكتور حسين حسني وكان من أشد الناس اخلاصاً إلا أن الاخلاص ضاع مع قاعدة الشماشرجية لدرجة أنه لم يكن يتمكن من الاتصال بالملك إلا من خلالهم.. وفي شهادته امام محكمة الثورة قال انه لم يكن له اتصال مباشر بالملك لان الاتصالات تتم عن طريق محمد حلمي. وكشفت التحقيقات انه حقق خلال فترة عمله مع الملك ثروات طائلة بلغت أكثر من مائة ألف جنيه "يلاحظ أن هذا الرقم كان في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي". وكانت ثروة زوجته من أراضي وعقارات واراض زراعية وأسهم قد بلغت قيمتها بالاضافة إلي الأموال السائلة نحو 50 ألف جنيه تقريبا.. بخلاف الأموال التي سجلها باسم أولاده. والطريف أنه عندما سئل عن مصدر هذه الأموال قال إنها منح وهبات من الملك ومن أحد ملوك الدول العربية. وكان الوزراء بل ورؤساء الوزارات يتملقون محمد حلمي بل كانوا يجرون معه الحوارات وتبادل الآراء.. دون أن يعترض أحد تلميحاً أو تصريحاً عن سطوة هذا الرجل وعندما حوكم محمد حلمي امام محكمة الثورة اكتفت المحكمة بتجريده من الرتب العسكرية ومصادرة أمواله وأموال زوجته التي زادت مع عمله مع الملك فاروق.. وهكذا كانت قوة السائق حلمي في الحكم.