الولاء للقضية الفلسطينية يتحقق جزئياً خلال التذكير الدائم بها حتي تظل الذاكرة العربية خصبة ومتجددة فلا تضيع ولا تبهت مع تعاقب الأجيال وخفوت حدة الصراع بسبب الاضطرابات السياسية التي غطت المنطقة العربية وشراسة الدعاية الصهيونية ودخول عناصر غير متوقعة تنال من حماس شرائح عربية كثيرة إزاء الصراع العربي الإسرائيلي الذي غاب عن أدبيات الخطاب السياسي. وأمام مشهد التمزق والفرقة بين القوي الفلسطينية الحاكمة والمتسلطة علي مقدرات الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة وداخل قطاع غزة نسيت الشعوب العربية أن إسرائيل والقوي الصهيونية الغربية التي تساندها يمثلان جوهر الأزمة وهم "النكبة" الحقيقية وراء جميع النكبات التي ابتلي بها العرب ومنها الإسلام السياسي والإرهاب المتأسلم وتطور الجماعات المنتمية له بالإضافة إلي الطابور الخامس ودوره في الإعلام وفي المؤسسات. التذكير اللحوح بالقضية وتداعياتها يتحقق بعيداً عن السياسة ومن خلال استخدام القوي الناعمة المؤثرة ومن أهمها وسيط الفيلم والعروض التليفزيونية للأفلام المهمة التي تناولت القضية بشكل أو آخر. الفنانون الفلسطينيون انجزوا العشرات من التجارب السينمائية الجديرة بالاهتمام وحققوا من خلالها حضوراً ملموساً في الساحات الدولية. وقد لا يعرف كثيرون أن قائمة الأفلام التسجيلية والروائية طويلة وكثير منها جيد وشيق ويثير الفضول ويثري الوعي ويفتح نافذة علي الخريطة الاجتماعية والجغرافية للفنانين الفلسطينيين الذين يعيشون في المنافي وداخل الأرض المحتلة ويشاركون تجاربهم مع مؤسسات ثقافية غربية وبعضهم استطاع أن يفرض وجوده حتي علي أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية. كثير من الفنانين السينمائيين من أبناء فلسطين وصلوا إلي مستويات عالمية في فنون الأداء التمثيلي.. في مجالات الإخراج ونسبة من الجمهور العربي المهتم بالسينما يدرك قيمة التجربة السينمائية الفلسطينية وتفردها علي خريطة السينما العالمية.. أذكر هنا علي سبيل المثال المحدود لا الحصر أفلام هاني أبوأسعد "الجنة الآن وعمر" ورشيد مشهريني "حتي إشعار آخر" ومشيل خليفي "عرس الجليل" ومحمد بكري "جنين - جنين". وتمثل المخرجة مي حصري قوة مؤثرة في السينما التسجيلية ساهمت بأفلام جيدة مثل "أطفال جبل الحجارة" و"أحلام المنفي" و"يوميات بيروت" وفي عام 2015 قدمت أول أفلامها الروائية الطويلة بعنوان "ثلاثة آلاف ليلة" الذي عرض في مهرجانات "تورنتو" بكندا ومهرجان لندن ومهرجانات عربية آخرها مهرجان "الأقصر للسينما الأوروبية والعربية". عنوان الفيلم يشير إلي عدد الليالي التي قضتها بطلة الفيلم "ليال" داخل سجن إسرائيلي وأمضت فيه ثماني سنوات بتهمة ملفقة وأنجبت خلالهم طفلها الذي اسمته "نور".. والاسماء ليست خالية من الدلالة. مي حصري تستعرض جوانب من المحنة المركبة التي تعيشها المرأة تحت الاحتلال والقمع الذي تتعرض له هي والسجناء الفلسطينيات وكذلك تستعرض أشكال المقاومة التي تمارسها المرأة الفلسطينية حتي وهي مكبلة ومكسورة الإرادة. وفي لقاء مع المخرجة بثته إحدي القنوات العربية سألها المذيع عن مدي أهمية السينما في تسليط الضوء علي القضية الفلسطينية وكيف يمكن مواجهة الأفلام الهوليودية التي تقدم صوراً زائفة ومضادة للشعب وللقضية الفلسطينية. قالت: السينما لديها مسئولية كبيرة.. لأنها تنقل للعالم صوراً حقيقية عن وجودنا اليومي. وحضورنا علي الأرض التي ولدنا عليها وتقدم قصصاً وتجارب واقعية حياتية سواء أكانت سينما تسجيلية أو روائية. وتقول إن بطلة الفيلم "ليال" إنسانة تتشابه مع كثيرات عشن تجربة السجن سواء من خلال تجربتها الشخصية أو من خلال شقيق أو جار أو قريب. فالسينمائيون عليهم عبء كبير ويتحملون مسئولية كبيرة ايضا تواجه عمليات التزوير والتشويه والهجمات الجائرة علي حريتنا والسينما التي أؤمن بها وأمارسها تنطلق من الإنسان وبصورة خاصة النساء والأطفال. ** لدينا قنوات فضائية باتساع السماء ومنها ما هو قاصر علي العروض السينمائية فقط ومع ذلك لا نجد الفيلم الفلسطيني حتي في المناسبات الجديرة بالتذكير مثل مذبحة دير ياسين التي حدثت في مثل هذا اليوم "9 ابريل 1948" علي يد العصابات الإرهابية الصهيونية.