اقترحت احدي النائبات في البرلمان إلغاء مادة الدين من المناهج الدراسية بالمدارس.. وتغييرها إلي مادة الأخلاق أو القيم.. متصورة أن ذلك سيقضي علي الاحتقان الطائفي الذي يطل برأسه من حين لآخر.. ويقرب بين المسلمين والمسيحيين ويجفف منابع التطرف والإرهاب.. وهو تصور مغلوط مائة بالمائة وغير واقعي.. وللأسف سوف يؤدي إلي عكس ما أرادت تماما. وفي نفس الاتجاه رد البعض علي اقتراح النائبة بدعوة أكثر فجاجة إلي تدريس كل الأديان الموجودة علي ظهر الأرض لأبنائنا في المدارس حتي يدركوا ان دينهم ليس الوحيد. وأن هناك أديانا أخري وعقائد أخري قد تكون كلها صحيحة لأننا لا نملك اليقين الكامل.. وتصورات أخري عن الله والكون والخلق والسماوات والملائكة والخير والشر.. ولو حدث ذلك فقل لي بالله عليك كيف يكون حال الجيل الجديد؟! بالتأكيد سيكون مشوشا مضطربا.. أو كما قال الزعيم مصطفي كامل قديما: "سيكون مزعزع العقيدة سقيم الوجدان". نحن جميعا نعرف ان مادة الدين تدرس في مدارسنا للطلاب المسلمين وللطلاب المسيحيين.. هؤلاء يدرسون عقيدتهم وشعائرهم وتعاليمهم وتراثهم الديني وهؤلاء يدرسون عقيدتهم وشعائرهم وتعاليمهم وتراثهم الديني.. وقد تعارف أجدادنا منذ زمن بعيد علي ذلك.. اقتناعا بأنه إذا عرف كل فريق دينه حق المعرفة والتزم بتعاليمه.. فسوف تخرج لنا أجيال من المواطنين الصالحين.. لأن الدين يشمل كافة مناحي الحياة.. والدين أوسع من الأخلاق والقيم.. خصوصا إذا توافر المدرس الجيد والمنهج القويم الذي يحض علي احترام الآخر والتعايش معه رغم أية اختلافات دينية أو مذهبية.. وهذا فيما أظن هو البعد الغائد في العملية التربوية والتعليمية. وتعارف اجدادنا أيضا منذ زمن بعيد علي أن يتضمن منهج اللغة العربية بعضا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يدرسها الطلاب جميعا لفوائدها اللغوية والبلاغية ولتأصيل الثقافة العربية والهوية الوطنية في النفوس تحقيقا وتجسيدا للتعبير المعجز الذي صاغه الزعيم الوطني مكرم عبيد في قوله: "أنا مسيحي الديانة مسلم الوطن".. ولا أدري هل هذا العرف مستمر حتي الآن أم لا.. فقد اعترض بعض المتشددين علي ذلك وطالبوا بإلغاء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من كتب اللغة العربية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. أظن أننا الآن في أمس الحاجة إلي تعليم أبنائنا دينهم الصحيح.. ونزرع فيهم الوازع الديني بعمق.. ونربي في ضمائرهم مراقبة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة.. ونؤصل في عقولهم وقلوبهم مبادئ الحب والخير والسلام والطمأنينة والعمل والعدل واحترام الآخر.. وذلك يتحقق بصياغة منهج ديني دراسي واع.. يخاطب الطلاب بلغة اليوم ومفاهيم اليوم.. وينفتح علي كل ما له أدني علاقة بحياتهم من أخلاق ومعاملات. صحيح أن مادة الدين الآن في المدارس مهملة.. وغالبا ما توضع في آخر حصة باليوم الدراسي حتي يكون من السهل إلغاؤها إذا اشتكي الطلاب من الإرهاق.. وصحيح أن مادة الدين لا تضاف لها درجات علي مجموع الطلاب وهذا ما يجعل نظرة الطالب إليها غير جادة.. وأزعم أن ذلك أحد اسباب أزمة التطرف والإرهاب.. ذلك لأن اهمال الدين في المدارس جعل الطلاب عرضة لكل من يريد جرهم إلي ساحة التطرف والإرهاب.. فالطالب غير المحصن بالعلم الديني القويم غالبا ما يكون صيدا سهلا لدعاة التطرف والإرهاب.. فما بالك إذا ألغيت مادة الدين تماما.. وصارت حصيلة الطالب من الفهم الديني الصحيح قائمة علي الأخلاق وحدها.. والأخلاق كلمة عامة فضفاضة ليس فيها ما يلزم؟! قديما قال شاعر باكستان العظيم محمد اقبال: "ومن رضي الحياة بغير دين.. فقد جعل الفناء لها قرينا".. ونحن الآن نوشك أن نجعل الفناء قرينا لحياتنا بسبب الإرهاب الأسود الذي يهددنا جميعا في كل مكان.. وينسب زورا وبهتانا إلي ديننا الإسلامي الحنيف.. لذلك نحن في حاجة إلي مزيد من الدين الصحيح.. مزيد من الاهتمام بالتربية الدينية وليس إلغاؤها.