قبل عدة سنوات أعدت عقيدتي ملفا حول التطرف في المناهج الدراسية الإسرائيلية وتحديدا في المناهج الدينية وفوجئنا يومها باسرائيل تقيم الدنيا ولا تقعدها وتتهم عقيدتي بأنها صحيفة متطرفة وأنها تكتب بمداد الحبر الدموي وأن أحدا من كان ليس من حقه المطالبة بتغيير المناهج الدينية التي يدرسها النشء الإسرائيلي والغريب أن اسرائيل في نفس الوقت كانت تضغط علي الغرب كي يمارس بدوره ضغطا علي العرب والمسلمين لتغيير مناهجهم الدينية التي يدرسها النشء العربي المسلم وللأسف فقد نجحوا في تمرير مطالبهم والدليل المناهج الدينية المهلهلة التي يدرسها طلابنا في كل المراحل الدراسية حاليا.... عقيدتي تفتح ملف منهج التربية الدينية في محاولة لوضع أفضل السبل لتطوير تلك المناهج بشكل يقتلع جذور التشدد والتطرف التي انتشرت في المجتمع المصري والتفاصيل في السطور التالية: تؤكد الدكتورة وجيهة مكاوي أستاذ اللغة العربية بجامعة قناة السويس: أثبتت التجارب التربوية أن خير الوسائل لاستقامة السلوك والأخلاق هي التربية القائمة علي عقيدة دينيةولقد تعهد السلف الصالح النشء بالتربية الإسلامية منذ نعومة أظافرهم وأوصوا بذلك المربين والآباء» لأنها هي التي تُقوّم الأحداث وتعودهم الأفعال الحميدة. والسعي لطلب الفضائل ومن هذا المنطلق نسعي جميعا لنعلم أطفالنا دين الله غضاً كما أنزله تعالي بعيدا عن الغلو. مستفيدين بقدر الإمكان من معطيات الحضارة التي لا تتعارض مع ديننا الحنيف. ومن هنا فإننا مطالبون بتطوير منهج التربية الدينية وعودته كي يمثل حائط الصد أمام المخاطر الحقيقية والتحديات الجسيمة وفي مواجهة تحدي الهزيمة النفسية وهذا هو أخطر تحدياتنا المعاصرة لأنه يبدد طاقاتنا. ويشير إلي أن هويتنا كعرب ومسلمين هي الثقافة العربية الإسلامية. فالإسلام هو الذي طبع ثقافتنا بطابعه وصبغته . "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون". فهوية ثقافتنا هُوية إسلامية وقد شهد بذلك العرب غير المسلمين فهذا ميشيل عفلق واحد من أبرز المفكرين القوميين يقول: إن الإسلام هو الثقافة القومية الموحدة لجميع أفراد المجتمع علي اختلاف أديانهم ومذاهبهم. وتضيف د. وجيهة: لقد ضاعت الأمة الإسلامية يوم أن فرطت في هُويتها المتمثلة في التمسك بدينها ومن يقرأ التاريخ يجد أن المسلمين في كل عصور القوة والتقدم كانت الهُوية ظاهرة واضحة في كل تحركاتهم وسكناتهم. وعندما أراد صلاح الدين استعادة بيت المقدس عمل أولا علي استعادة هُوية الجيش الإسلامي فحرك الأمة لاستعادة هُويتها وباستعادة الهُوية كان النصر والتمكين والأمن والأمان. الدين والهوية وتري الدكتورة أمنة نصير أستاذ الفلسفة الاسلامممية بجامعة الأزهر فتقول: للأسف الشديد نحن لم نلتفت للضغوط التي بذلها الغرب خلال العهود السابقة وتسببت في تهميش مادة التربية الدينية وهكذا تمت محاصرة منهج الدين بمساعدة بعضنا وكان ذلك من العوامل التي أثرت في الهُوية العربية وتسبب في قيام البعض بتعلم الدين من اتجاه اخر غير اتجاه المدرسة والمعاهد التعليمية لينتشر الفكر الشاذ والهدام والتشدد وغيرها من الأفكار غير السوية لأننا تركنا النشء يتعلم الدين بعيدا عن الجهة الصحيحة فالكل كان حريصا علي تنفيذ تلك المخططات التي هي جزء من مخططات أكبر ومساعي للولايات المتحدة والغرب بهدف تفريغ التعليم الديني من محتواه. وقد ظهر أثر هذه العوامل في تحرج بعض المسلمين من إظهار الشعائر والمفاهيم كالحدود والحجاب. وكذلك حذف المقررات الخاصة بالجهاد وتغييب القدوة الإسلامي وجعل مادة التربية الإسلامية مادة هامشية ولا تضاف إلي المجموع وعدم اختيار المدرس القدوة. وإذا أردنا إعادة أجيالنا الجديدة إلي أحضان الهوية فعلينا الإهتمام من جديد بمنهج التربية الدينية وعودتها من جديد مادة حقيقية ومنهجا يعده علماء وخبراء الأزهر الشريف وحسنا فعل وزير التربية والتعليم عندما طلب من الأزهر وعاظا وعلماء لتعليم الدين لأبنائنا في التعليم العام اعادة اللغة العربية إلي مكانتها في التدريس والإعلام والتعليم والقطاع العام. والمحافظة علي المناسبات الإسلامية كالهجرة وعاشوراء بضوابطها الشرعية وزرعها في نفوس أولادنا والاعتزاز بالهيئة الإسلامية في الشكل العام وكذلك لابد أن نؤكد علي منهج الإسلام في المحافظة علي الهُوية الذي نهي عن التشبه بالطقوس الدينية لغير المسلمين فقال صلي الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم". وكذلك نهي صلي الله عليه وسلم عن التقليد الأعمي لغير المسلمين وبين أن هذا التقليد إنما هو من علامات انحدار الأمة وتخلفها فقال صلي الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتي إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه خلفهم". جهودا جبارة أوضح الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية أن هناك جهود جبارة تأتي ضمن المؤامرات الغربية علي الإسلام ولمنع الإسلام من الإنتشار خاصة في ظل التقارير المخابراتية التي تقول أن المستقبل للدين الإسلامي لهذا تكون في الغرب تيار علماني شرس يحاول التخلص من الإسلام بكل الصور والأشكال ومن أبرز السبل التي انتهجوها تقليص مناهج التربية الدينية للقضاء علي الهوية العربية والإسلامية للشعوب. ويضيف د.عثمان: والحل من وجهة نظري يكمن في تطوير نظم التعليم في عالمنا الإسلامي بحيث تعود مادة التربية الدينية للعب دورها في تثقيف وتعليم النشء والشباب المسلمين كذلك لابد أن تتضافر الجهود من أجل محاربة البدع والخزعبلات أو الفكر الخرافي والأمية الدينية والأفكار العلمانية والرضوخ إلي الأقاويل والاتجاهات الانهزامية والاستسلامية المفروضة من جانب القوي الكارهة للإسلام ولابد من دعم مفكري الأمة بحيث يستفيد المسلمون من مفكريهم وبحيث توظف تلك الأفكار توظيفاً سليماً بحيث تعالج قضايا حيوية ومصيرية لصالح الأمة بدلاً من أن تبدد في قضايا فرعية وهامشية لا تسمن ولا تغني من جوع وبهذا يتغير الواقع المادي المريري للكثير من المسلمين وبالتالي تفشل جهود المؤسسات الغربية والصهيونية التي تلعب علي وتر الفقر وتسعي لجذب المسلمين الفقراء وتغريهم من اجل تغيير دينهم والخروج من الإسلام. اكد الدكتور احمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر الاسبق و عضو هيئة كبار العلماء : أن التصدي للفكر المتشدد والمتطرف هو مسئولية الجميع خاصة علماء الدين والدعاة والأئمة وأيضا المفكرين والمثقفين والخبراء في كل التخصصات الي جانب المؤسسات الدينية التي لابد ان يكون لها الصدارة في اجتثاث تلك الافكار الهدامة والعفنة من جذورها مشيرا الي ان تلك المسئولية هي فرض عين علي العلماء خاصة في المرحلة الحاسمة من تاريخ الوطن التي ظهر فيها اناس يرتكبون جرائم آثمة من قتل وعنف ولم يراعوا دينا و لاخلقا ولا عرفا ويوقعون الارهاب هنا وهناك مما يجعل الحياة كلها مآسي مشددا علي انه يستوجب علي الدعاة وجميع المواطنين مواجهة افكارالارهاب ومن هنا فنحن نقول للذين يتربصون بمصر ستدور عليكم الدائرة لانكم تدافعون عن افكار هدامة تخرب العقول وتحرق البيوت. الدين مادة أساسية واكد د. هاشم أنه إذا أردنا بداية حقيقية لتنقية الفكر من التشدد والتطرف في العقول فعلينا ان نبدأ بالمناهج الدراسية في المراحل الاساسية للتعليم بحيث تكون مادة التربية الدينية في المدارس مادة اساسية وليست مادة ثانوية بمعني ان يكون فيها نجاح ورسوب حتي يهتم بها التلاميذ والطلاب مشيرا إلي ضرورة ان تشتمل تلك المناهج في جميع مراحل التعليم علي كل مايفيد المسلم من أمور العبادات والعقيدة والمعاملات مع التأكيد علي سماحة الاسلام ووسطيته وشموليته وقابليته ومرونته للتطبيق في كل زمان ومكان بالاضافة ايضا الي التأكيد علي نشر ثقافة التعايش المشترك مع الآخر في الوطن الواحد. وشدد الدكتور احمد عمر هاشم علي ان من يقوم بوضع تلك المناهج لابد ان يكون من علماء الأزهر الذين يتمتعون بأفق واسع ولديهم رؤية تتسم بفقه الواقع حتي يربط النشء بواقع حياتهم هذا من ناحية وضع المادة العلمية أما من ناحية التدريس فيجب علي من يقوم بتدريس تلك المادة الدراسية المهمة ان يكون ذا مواصفات خاصة ومؤهلا تأهيلا تربويا وعلميا شاملا وعلي دراية كاملة باللغة العربية وعلومها ومن قبل ذلك العلوم الشرعية وفروعها وملحقاتها وايضا يجب ان يكون قدوة في كل شئ في حركاته وسكناته وملبسه واخلاقه وتعاملاته مع الآخرين قبل كل شئ لان التلاميذ في المراحل الاساسية للتعليم يكونون اكثر تقليدا لما يرونه من معلميهم سواء بالسلب او الايجاب فإذا تم غرس القيم الفاضلة والاخلاق النبيلة والثقافة الاسلامية الصحيحة في نفوس النشء من بداية المراحل التعليمية المختلفة من خلال مادة التربية الدينية منهجا وتدريسا نكون بذلك قد جعلنا حول هؤلاء النشء- الذين هم املنا وعدتنا في المستقبل- حصانة مانعة من تسلل الفكر المتشدد والمتطرف والافكار الهدامة إلي عقول ابنائنا الذين للأسف الشديد يقعون فريسة سهلة لتلك المعتقدات الخاطئة ويتحولون الي اداة هدم وتخريب تنشر الفوضي والخراب والدمار في المجتمع بدلا من البناء والتعمير الذي اراده المولي عز وجل وامر به في قرآنه حيث قال. هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها. عودة الهوية يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أن عودة الهوية يبدأ بالمحافظة علي نشر التعليم الديني الوسطي المستنير بكل الوسائل التعليمية وفي كل المراحل بدءا من الحضانة والابتدائية والاعدادية والثانوية هذا بالاضافة الي احياء الدور الدعوي والمجتمعي والتثقيفي للمساجد والابتعاد بها عن السياسة بمفهومها الحزبي الضيق والاستقطاب الديني والسياسي لها موضحا ان امام المسجد لابد ان تكون لديه القدرة علي التواصل مع الناس بمختلف اعمارهم كما يجب الاكثار من الداعيات من خريجات الازهر علي ان يتم تدريبهن علي ادوات وفنون الدعوة بطرق حديثة لجذب النساء بمختلف اعمارهن حتي يكن نواة صالحة لانبات ذرية طيبة في المجتمع.ويضيف عاشور: حرص الإسلام كثيراً علي صياغة منهج واضح ومحدّد في التربية الدينية. قوامه الإيمان بالله سبحانه وتعالي وبكتبه ورسله وتشريعاته. علي عكس التصوّرات التربوية السطحية المتبعة في النظم والأديان الأخري الموجودة في الساحة العالمية والتربية الدينية في النظام الإسلامي. ليس مجرّد تعليم أو تلقين ديني. وإنما هي دعامة أساسية وراسخة لتنشئة المسلمين تنشئة صالحة. مكتملة الجوانب. وبناء أجيال من المؤمنين الأقوياء فالتربية الدينية تهتم بالتغيير من داخل الإنسان.. من أعماقه. لتجتث كل قوي الشر والفوضي من نفسه وتبنيه من جديد. وتعتمد أساساً علي غاية ومنهج وقدوة في الحياة فالتربية الدينية في الفكر الإسلامي تعارض الأسلوب المسيحي الذي يعتمد علي منع مناقشة مسلّمات الدين. والأخذ بإسلوب التلقين الذي يقوم علي تعليم أصول الدين من خلال مجموعة من الأسئلة والأجوبة والمحدّدة التي يصوغها ¢رجال الدين¢ في قوالب جامدة وتقليدية لا تتغير. فلا يحيد أحد عنها خوفاً من الإتهام بالإنحراف. فالإسلام يرفض التلقين. ويفتح مجال المحاججة والإقتناع والتفكر والرؤية الصحيحة الواضحة علي أساس عقلي ومنطقي وعلمي. وفي إتّجاه حيوي وإيجابي. عماده الإيمان الخالص والغاية السامية في الحياة تربية النشء ويقول الدكتور نصر فريد واصل إنّ تربية الأجيال. يجب أن تخضع لقواعد العقيدة الإلهية الصحيحة التي تتحقق بها ذات المجتمع المسلم. وتتولد منها قدرات خلاقة علي طريق التنمية والتطوير والبناء لذلك فليس غريباً. إنّ الأُمّة الإسلامية عندما تعيش تاريخها كله. علي قاعدة أصيلة من الدِّين الإسلامي. ستحرص علي أن يكون الدِّين هو الدرس الأوّل والأخير لأبنائها وأجيالها.. انّه درس الحرِّية والعدالة الإجتماعية والحضارة المتزنة... لتتحقق الغاية في بناء الفرد والمجتمع فالدِّين الصحيح. يتضمن تفسيراً شاملاً للحياة. ولذا ينبغي تصحيح المناهج التربوية في العالم الإسلامي» لكي يتحرر فكر الأجيال المقبلة من النظرة الضيقة للدين. والتي كانت تحصره في نطاق التراث والعبادة فحسب فلقد تبين للكثير من المهتمين بهذه القضية الحسّاسة. بإن دراسة موضوعية لقواعد تطوير المناهج التعليمية التي تقوم علي أساسها تربية دينية سليمة.