كان من الطبيعي أن تطبق قرارات زيادة الرسوم الجمركية علي السلع التي درجنا علي تسميتها بالسلع الاستفزازية ترشيداً للاستيراد مثل طعام القطط والكلاب والفستق واللوز والكافيار وأدوات التجميل والرخام والسيراميك الاسباني.. لكننا فوجئنا بتطبيق الزيادة ايضا وبنسب كبيرة "40%" علي سلع أخري يحتاجها المستهلك العادي كالأجهزة الكهربائية - الثلاجات والبوتاجازات والغسالات والمراوح - وحديد التسليح وبعض الملابس الجاهزة منخفضة الأسعار التي كان يقبل عليها المستهلكون في ظل ارتفاع أسعار المنتجات المحلية.. وكان وجودها في الأسواق يكسر حدة الاحتكار ويسهم في خلق مناخ تنافسي يعمل علي ضبط الأسعار وتحسين مستوي الجودة لصالح المستهلك.. بل فوجئنا بتطبيق زيادة الرسوم الجمركية علي الأقلام والأوراق التي تستخدم في المدارس والجامعات مما رفع سعرها علي الطلاب. وكان من الطبيعي أن يؤدي قرار زيادة الرسوم الجمركية علي السلع الترفيهية إلي حماية الصناعة المحلية فقد كان هذا مطلب الصناع أنفسهم.. لكننا فوجئنا بأن زيادة الرسوم تصب مباشرة في صالح رجال الأعمال الذين اعتادوا علي الخروج رابحين من كل موقف.. وكانت النتيجة أن المستهلك هو الذي دفع قيمة هذه الزيادة الجمركية بنفس النسبة.. وأحياناً بأكثر منها.. ليس فقط علي السلع المستوردة - المستفزة وغير المستفزة - وإنما علي المنتجات المحلية ايضا.. فقد وجدها الصناع فرصة لزيادة الأسعار واحتكار السوق. وكان من الطبيعي أن يؤدي قرار زيادة الرسوم الجمركية إلي الحفاظ علي أسعار النقد الأجنبي عند مستواها الحالي علي الأقل.. فقد كان الهدف عدم تبديد موارد النقد الأجنبي في استيراد سلع استفزازية غير ذات أهمية - لكننا فوجئنا بأن أسعار الدولار عادت إلي الارتفاع.. وأن المواطن في النهاية هو الذي يتحمل فاتورة زيادة الرسوم الجمركية. الغاضبون من قرار زيادة الجمارك - المستوردون والتجار - يهددون ويتوعدون.. وقالت "المساء" إن شعبة المستوردين التابعة للاتحاد العام للغرف التجارية تعتزم رفع دعوي قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بسبب قرار حظر استيراد 50 سلعة.. بينما ذكرت "الأهرام المسائي" أن التجار يتوقعون رفع أسعار السلع في الأسواق.. وأن المستهلك هو المتضرر الأول وليس التجار أو المستوردون.. فهؤلاء سيرفعون الأسعار نتيجة زيادة التكلفة عليهم التي لا يتحملونها ويتحملها في النهاية المواطن البسيط. ونقلت الصحف عن أشرف هلال رئيس شعبة الأدوات المنزلية بغرفة القاهرة التجارية أن قرار زيادة رسوم الجمارك إلي 40% سيرفع الأسعار النهائية للمستهلك.. موضحاً أن جميع الأسعار ستشهد زيادة بسبب القرارات المقيدة للاستيراد من جانب وزيادة الجمارك علي السلع التي سيدفع ثمنها المواطن البسيط. ولاشك أن قرار زيادة رسوم الجمارك علي السلع الاستفزازية كان مطلباً ملحاً وضرورياً.. لكنه في غياب الرقابة الجادة والفاعلة علي الأسعار سوف يتحول إلي كابوس ثقيل يضيف أعباء جديدة علي كاهل المواطن.. كل الأطراف تتحدث علناً عن ذلك.. ومن هنا كان من الضروري أن تتدخل الحكومة وبكل قوة لتثبيت الأسعار وحماية المستهلك.. ولا تتركه فريسة للتجار بدعوي حرية السوق. الأمر يحتاج إلي شجاعة في اتخاذ القرار لوضع إجراءات تنظيمية محددة وآليات فعالة لضبط الأسعار حتي لا يظل المستهلك هو الضحية دائماً.. وهذه الإجراءات والآليات ليست من أجل الأسعار فقط وإنما من أجل ضمان عدم الاحتكار وايضا ضمان مستوي الجودة.. حتي لا تتحول حماية الصناعة المحلية إلي كارثة للصناعة المحلية.