الحشود التي ملأت الميادين بالأمس في جمعة الوفاق. لم تبعث روح الثورة فحسب. وإنما روح الشعب المصري الذي صنعها. وإرادة الشباب المصري علي حمايتها. ولست أدعي أن الوفاق في جمعة الوفاق قد شد أذري بمشاعر الاطمئنان. وإنما هزني كثير من المخاوف. بينما استعرض بعض اللافتات التي رفعها فريق من المحتشدين. العلم المصري الذي أمسك به واحد من الشباب. بينما يجلس علي أعلي قمة عامود نور وسط الميدان برغم ارتفاعه وخطورة الجلوس فوقه. قوَّي إيماني بأن مصر ستكون آمنة بفضل إخلاص أبنائها واستعدادهم للتضحية وعشقهم لعلمها. ومنذ فترة ليست بعيدة قرأت لمسئول في جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" تصريحاً يقول إنهم سيجعلون مصر "أرضاً محروقة" حتي إذا رحل مبارك لا تقوم لها قائمة ولسنوات طويلة.. ولم يكن الرئيس المخلوع قد خُلع بعد. وكانت جهود التوريث علي قدم وساق وظاهرة للعيان. وكان السيناريو الذي يقوم بتجهيزه الوزير المسجون وعدد من رجاله من جهاز أمن الدولة يتم إعداده بحيث يأتي الابن ويجلس علي عرش مصر بأمان. والمعترض مصيره المدافن الملحقة بمقار هذا الجهاز. كان المخلوع في قمة استبداده والابن المحظوظ يمتلك صولجان الحكم ويلوح به. وأحياناً بصفاقة لا تقل عن صفاقة البلطجية الذين تربوا في عز أبيه. وعزبة نظامه. في خطبة الجمعة أمس جاهر الخطيب أمام الملايين بأمنيته وأمنية ملايين المصلين أمامه في أن يصلي في المسجد الأقصي وأن يحرر القدس من غاصبيها. وأن يكون المحتشدون في مقدمة الزاحفين إلي المدينة المقدسة. وخاطب الفلسطينيين وكأن حلمه قد صار قريب المنال. إن الناظر إلي المشهد وفي ذهنه عبارة "الأرض المحروقة" التي صرح بها المسئول الصهيوني في جهاز مخابرات العدو. لابد أن يتسلل إليه الشعور بالراحة. ويطمئن. مصر لن تكون أبداً وبإذن الله وإرادته العليا. أرضاً محروقة. شريطة أن يتحد أبناؤها. وإنما خضراء. خضارها يغطي الحجر والجبل والصحراء. في كل مرة تَسْكُنني المخاوف وربما الهلاوس. بعد معارك الثورة المضادة التي وقودها النار والحجارة. والجمال والمولوتوف. والقنابل المسيلة للدموع. منتهية الصلاحية!!.. في كل مرة يهاجمني مرض "الرهاب" واستسلم للمخاوف. ولكنني أتذكر قوله تعالي: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". علي باب مدخل بيتنا في القرية كتب أبي هذه الآية. وظللت أقرأها منذ سنوات تكويني الأولي. فاستقر في يقيني وفي لا وعي أن مصر إن شاء الله آمنة.. جمعة الوفاق تتلوها "جمعة" للإفطار الجماعي في أول جمعة في رمضان.. وما سوف يتلوها إن شاء الله وله مؤشرات تقول: إن مصر بخير.