في حين انتشرت الدعوات بين مختلف القوى الوطنية الحزبية وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية واستعد ائتلاف شباب الثورة وحركة 6 إبريل ومختلف الأحزاب لحشد حشودها للخروج يوم الجمعة 27 مايو الحالي في تظاهرة مليونية بميدان التحرير وغيره من ميادين وشوارع جميع أنحاء الجمهورية تحت شعار "جمعة الغضب الثانية" اعتراضاً على التباطؤ في محاكمات رؤوس ورموز النظام الفاسد الحاكم سابقاً، وعدم الإسراع في تطهير الجامعات ومؤسسات وهيئات الدولة، وللمطالبة بتكفل الدولة بعلاج مصابي الثورة وغيرها من المطالب المشروعة. ورغم الآراء التي تباينت في الشارع المصري بين مؤيد ومعارض خوفاً من تكرار ما حدث يوم 28 يناير الماضي من فوضى وحفاظاً على استقرار البلد وعدم تعطيل دوران عجلة الإنتاج حيث سيؤثر ذلك سلباً على محدودي الدخل والعمال العاديين الذين يكادون يحصلون على قوت يومهم يوماً بعد يوم في ظل ضعف الأمن واختلال الاقتصاد. وهؤلاء نتفق معهم في بعض الآراء ونختلف معهم في مبدأ التضحية بالقليل من أجل الحصول على المصلحة العليا للبلاد والتي تكمن في الإسراع بمحاكمة هؤلاء الذين مصوا دم الشعب وأهانوا كرامته وأهدروا مقدراته. إلا إننا في النهاية نقول سلمية ولا للتخريب ونعم للحفاظ على ممتلكاتنا وحمايتها ونرفع شعار مصلحة بلدنا فوق كل شيء. الغريب في الأمر خروج بعض ممثلي القوى الوطنية الذين كنا نظن فيهم خيراً ونتعاطف معهم طوال فترة حكم النظام السابق وكنا نلمح فيهم من بعيد خوفهم على مصر والعمل بجد واجتهاد وبذل الغالي والنفيس من أجلها، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد، ولكن ما بدا لنا في الأفق أن الحقيقة غير ذلك تماماً وهذا ما نفهمه منذ بدء اندلع ثورة 25 يناير والمواقف بينة ظاهرة واضحة وضوح الشمس لا تحتاج إلى تأويل. فجماعة الإخوان المسلمين منذ أن انطلقت الثورة تباينت مواقفها وأصبحت كل يوم برأي نشارك أو لا نشارك، وعندما تمكنت الثورة وأصبحت أمر واقع مفروض وتأكدت جماعة الإخوان أن الثورة ثورة شعب وليست ثورة حزب ركبت الموجة وبدأت في الظهور على الساحة، ثم أتى الأمر الأصعب وما راهنت عليه الجماعة عندما توالت دعوات مبارك وعمر سليمان لحوار مع المعارضة اعتبرت الجماعة نفسها الممثل الأقوى للمعارضة ودخلت على الخط السريع للتفاوض برغم رفض شباب الثورة ومعظم أحزاب المعارضة والجمعيات الوطنية وغيرها للحوار أصلاً مع النظام وكان الهدف الأساسي والمطلب الرئيس هو سقوط ذلك النظام. قبلت جماعة الإخوان ذلك في هذا الوقت الحساس لكسب الاعتراف بها فقط فالمطالب كانت واضحة من الشعب لا تحتاج لمزايدة، ولو حدث الوفاق وقتها لاعتبرت الأحزاب التي فوضت نفسها عن الشعب هي المعارضة الحقيقية وهم صناع الثورة ولاعتبر صناع الثورة الحقيقيون مجرمون ولأبيد ميدان التحرير بمن فيه، ولكن هي إرادة الله أن يثبت نجاح الثورة وتصميم شبابها على إسقاط النظام لتنسحب الجماعة من الحوار وتمضي في ثورة الشعب وبعمق هذه المرة حتى سقط النظام. وحسب تتابع الأحداث جاء وقت الاستفتاء على التعديلات الدستورية وكلنا نعلم أن الأمر كان يستدعي وضع دستور جديد للدولة لولا ضيق الوقت والقلق من الفراغ الدستوري وتردي الأوضاع، إلا إنهم لما يشرحوا للناس موقفهم منها وخرجوا منها بمنطق اللف والدوران حول النصوص الدستورية، وطالبو الشعب بالتصويت ب "نعم" بل وذهبوا لأبعد من ذلك وأفتوا بأن من يصوت ب"لا" فهو آثم، بناءً على ما ذا لا نعلم. ولكن أغلبية الشعب الذين صوتوا بنعم هو حفاظاً على الأمن ووجود دستور وخوفاً على مصر، في حين أن الإخوان كان همهم الوحيد الهدوء في الساحة ليتمكنوا من تأسيس حزبهم وبأسرع وقت ممكن وهذا ما حدث. والمضحك في الأمر تصريحاتهم بعد كل هذه الإنجازات بأن الإخوان أعدوا لثورة 25 يناير منذ عام 2004، يعني بين فترتي رئاسة، المهم هو ما حدث الآن وفي خضم الحشد للتظاهرات السلمية المبنية على مطالب مشروعة والشد والجذب في الشارع بين المؤيدين والمعارضين، كان موقف الإخوان كالمعتاد، التلون بألوان المواقف والأماكن، المراوغة والمناورة، وأصبحوا يدعون الشعب كله لعدم الخروج في المظاهرات ويحشدون أجهزتهم الإعلامية ضدها، ويصفونها بأنها ثورة ضد الشعب، من هو الشعب من وجهة نظر الإخوان؟؟؟؟؟؟؟؟ لا أعلم. كيف ومتى اعتبروا نفسهم مفوضين عن الشعب؟؟؟؟؟؟؟؟ أيضاً لا أعلم. حزب الوفد أيضاً منذ تأسيسه وهو لا يحرك ساكناً في مصر، منعدم سياسياً، يلهث دائماً ليلحق بما تبقى من الحزب الوطني الحاكم سابقاً وهيهات هيهات، حتى أثناء الثورة لم يكن له الدور الفعال سوى ظهور قياداته في الإعلام للحديث عن أنه فعل وفعل في حين أن أعضاؤه كلهم على مستوى الجمهورية لا يمثلون إلا القلة القليلة من الشعب، وليت فرحة المصريين تمت بتعدد الأحزاب وظهور الأحزاب القديمة على الساحة لتتنفس الصعداء بعد صدور شهادة وفاة الحزب الوطني. فحزب الوفد كان موقفه أيضاً أغرب، وصرح رئيسه أن ممثلي الحزب لن يشاركوا في المظاهرات لأن لديهم انتخابات "يوم الجمعة" لماذا يوم الجمعة؟ ولماذا هذه الجمعة برغم الحشد الذي يتم منذ أيام عديدة وليس الأمر وليد الصدفة. على أي حال نحترم آراء الآخرين لكن لا نقبل بالتلاعب بمشاعر المصريين. ونرفض سياسة الخفافيش والعمل في الظلام وانتهاز الفرص والعمل على تهميش القوى الأخرى. نحن أول المعترضين وبشدة على مطلب مثل تشكيل مجلس حكم انتقالي، وضد المطالبة بإقالة أي وزراء الآن لأن عمل الحكومة واضح ويسير في الاتجاه الصحيح، وضد أي جمعيات تأسيسية الآن، ولكن لن نقبل بالتهاون والتراخي في مواجهة أي شيء يضر بمصالح مصر والمصريين. ونؤيد ونصوت بنعم لباقي المطالب لأنها إصلاحية. وأتمنى أن لا يكون هناك حزب وطني جديد قد ظهر في مصر لا يرى على الساحة إلا نفسه. والآن .. أدعو إلى عدم الخروج لتظاهرات هذه الجمعة، ليس نزولاً على آراء هؤلاء الذين انسحبوا وحشدوا أصواتهم وأقلامهم ضدها، ولكن استجابةً لخطاب السيد/ رئيس مجلس الوزراء الموقر الدكتور عصام شرف الرجل المصري الوطني الشريف الذي يحب مصر ويراعي مصالحها ويخشى عليها، واحتراماً لجملة الإصلاحات التي أعلن عنها.