في عام 1998 توصلت مجموعة خبراء بالصندوق الدولي إلي أن "الاقتصاد الخفي" تتراوح نسبته عالميا بين 15 و35% من الناتج المحلي الإجمالي للدول.. لكن المدهش أن هناك 3 دول تجاوزت هذا المعدل الوسطي وهي - بحسب عبد الخالق فاروق - تايلاند 73% ونيجيريا 70% ومصر 65% مقابل 8% للولايات المتحدة و19% في كندا و35% في البرازيل و20% في الدانمارك. والشاهد هنا أن الاقتصاد الموازي في مصر تجاوز الحدود المعقولة. وتفاقم خلال السنوات الأربع الأخيرة حتي بلغ حجمه - وفقا لدراسة اعدها اتحاد الصناعات - 2.2 تريليون جنيه. وتسبب في إهدار حصيلة ضريبية تقدر بنحو 330 مليارا وفقا لمعدلات التحصيل الحالية البالغة 15%.. فإذا علمنا أن النسب العالمية تتراوح بين 27.25% نصبح إزاء هدر في الإيرادات يقارب 550 مليار جنيه سنويا وهو رقم يكفي لسد عجز الموازنة.. بينما ذهبت دراسة لمجلس الوزراء عام 2014 إلي أن حجم الاقتصاد غير الرسمي يتراوح بين 1.8 و2.7 تريليون جنيه بمتوسط تريليون دولار.. وقدرت الأممالمتحدة حجم الاقتصادين "الرسمي والموازي" ب 139 و400 مليار دولار بمتوسط 269 مليارا العام المنقضي. وهو ما يفوق القيمة السوقية للشركات المسجلة بالبورصة المصرية بنحو 30 مرة. وهو رقم أكده معهد الحرية والديمقراطية بجمهورية البيرو في دراسة أجراها حول مصر وتونس.. كما حصدت مصر المرتبة 31 بين 57 دولة نامية من حيث نسبة القطاع غير الرسمي إلي الناتج المحلي الإجمالي. الاقتصاد الموازي لا تقف خطورته عند حدود الخسائر الفادحة للإيرادات الضريبية. وإضعاف القوة الاقتصادية للدولة فحسب بل تطال نيرانه المواطنين العاديين الذين غدوا أكبر الخاسرين منه لما يؤدي إليه من إهدار العدالة الاجتماعية وعدم المساواة في الأجور. ناهيك عن كبح النمو الاقتصادي وتبديد مكاسب الانتاجية علي المدي الطويل حيث تجاوزت خسائر المصانع خلال الأشهر التسعة الأولي لعام 2015 نحو 5 مليارات جنيه جراء التجارة الموازية والتهريب. ناهيك عن إغراق السوق بسلع رديئة غير مطابقة للمواصفات تنتجها مصانع بير السلم التي تجاوز عددها 47 ألف لم تستخرج سجلا صناعيا ولا طبقت إجراءات الأمن الصناعي وشروط السلامة الصحية. وأضاعت حقوق العاملين بها من تأمينات اجتماعية وتأمين صحي.. المدهش أن بعضها يعمل في مجال الأدوية وهناك 90% من المستشفيات الحكومية تتعامل معها لرخص أسعارها.. وتلك كارثة تهدد مفاصل الدولة سواء في الصناعة أو الصحة أو الاقتصاد. ثمة أسباب عديدة لانتشار الأنشطة الخفية أهمها غياب الأنظمة الاقتصادية العادلة وكثرة العشوائيات وشيوع الفساد وغياب الوعي بأهمية المساهمة في اقتصاد الدولة. ناهيك عن بيروقراطية إصدار الملف الضريبي والتراخيص المطلوبة وطول إجراءاتها وما يكتنفها من فساد وإهمال الريف والصعيد. وغياب دور المؤسسات المعنية بمراقبة النشاط الاقتصادي. الأمر الذي يفرض ضرورة النظر لإصلاح الاقتصاد غير الرسمي ليس بمنطق الجباية وزيادة الحصيلة الضريبية فقط بل بحسبانه المشغل الأكبر في سوق العمل. حيث استوعب نحو 40% من العمالة في 2012 و45% 2013 وبعض التقارير ترفع نسبته إلي 70%. ما يعني حتمية احتواء هذا النشاط لإدماجه في اقتصاد الدولة بحزمة تحفيزية. كتخفيض الضرائب علي المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحمل الدولة جانبا من التأمينات الاجتماعية مع أصحاب العمل. وتيسير إجراءات منح التراخيص وإنشاء لجان لمتابعة وتقييم المجتمع الضريبي. وحل المنازعات الضريبية دون اللجوء للقضاء.. فهذا القطاع يمكنه إذا اندمج في الاقتصاد الرسمي أن يسهم في حل كثير من مشكلاتنا المزمنة.