"الصحافة والحكم" عنوان أحدث كتب الأستاذ الكبير محمد العزبي الذي صدر بداية الشهر الحالي ضمن سلسلة "كتاب الجمهورية" التي يرأس تحريرها الزميل الأستاذ سيد حسين.. والكتاب كما يبدو من عنوانه يتناول العلاقة بين الصحافة والصحفيين من جانب وأهل الحكم في مصر من جانب آخر غير حكايات مثيرة وشيقة رواها في لوحات تعبيرية مرسومة بدقة بالغة واحد من أصدق وأمتع الحكائين في بلاط صاحبة الجلالة. تعلقت عيني بالأستاذ محمد العزبي منذ أيامي الأولي بالقسم الخارجي في "الجمهورية".. فقد كان كثير التردد علي هذا القسم الذي بدأ فيه أيضا مشواره الصحفي قبل أن يتم تصعيده إلي المناصب العليا.. وكانت تربطه علاقة طيبة برئيسة القسم الأستاذة أممية أبوالنصر وزوجها الناقد الكبير الأستاذ جلال السيد وكثير من نجوم القسم آنذاك.. كان يتحدث بحساب وله مهابة يزيدها ما يكتبه في عموده اليومي "من غير ليه" الذي يجمع بين الرشاقة الصحفية والشجاعة في النقد. كنت ومازلت أراه ثورياً وديعاً.. قوياً في الحق دون اسفاف.. طيباً ودوداً ينزع إلي المثالية.. عف اللسان.. لكنه واقعي جداً.. ومتسامح جداً مع كل الناس.. يلتمس لهم ألف عذر.. ولذلك اتسعت دائرة معارفه وصداقاته التي امتدت عبر العصور والأجيال بلا عقد. وهذا الكتاب الجديد "الصحافة والحكم" يعكس تماماً شخصية كاتبه الذي يعتد بنفسه ويعلو فوق الصغائر ولا يحرج أحداً رغم أنه يعرف الكثير جداً عن العاهات التي يزخر بها الوسط الصحفي من منافقين ومرتشين وسماسرة وجهلاء.. يقدمهم كنماذج أحياناً وأحياناً بالتلميح الذي يقترب من التصريح.. ويقدم أيضا ما جمعه من حكايات الأصدقاء والكتب التي صدرت من قبل للكشف عن أسرار كثيرة لا يعرفها القراء. وبأسلوبه السهل الممتنع يجعلك الأستاذ محمد العزبي من خلال حكاياته قادراً علي أن تفك شفرات كثيرة كانت غامضة وسط الأحداث حين وقوعها.. وتفك شفرات أخري تتعلق بنجوم الصحافة الذين قرأت وتقرأ لهم منذ محمد التابعي وإلي يومنا هذا.. وتعرف كيف كانت زوجات الرؤساء تتعامل مع كبار الصحفيين. ومن بين سطور الكتاب هذه بعض الحكايات والمشاهد. * عندما قرر عبدالناصر تأميم الصحافة تم توزيع الضباط علي الصحف ليتولوا إدارتها.. وكان من نصيب أخبار اليوم الضابط كمال رفعت الذي جاء ومعه "المراسلة" الخاص به برتبة "صول".. وبسرعة البرق وبنفاق بعض الصحفيين صار هذا "الصول" هو المسئول عن مراجعة مقالات رؤساء التحرير وكبار الكتاب. * وعندما كتب نائب رئيس التحرير مانشيت الجريدة "الأممالمتحدة تركع" قال "الصول": يعني إيه تركع يا أستاذ.. فلم يجد الأستاذ بداً من أن يركع أمامه ليعرف معني الكلمة. * يروي ناصر الدين النشاشيبي أن صلاح سالم اتهم ثلاثين صحفياً كبيراً بتقاضي أموال من الداخلية والسفارات.. كأن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الاسماء. * آخر كلمات موسي صبري في مرض الموت: "الآن أفكر في أننا خدعنا جميعاً خدعة كبيرة.. وأن المتصارعين علي السلطة استخدمونا لمصالحهم أسوأ استخدام". * سأل أحمد بهاء الدين اللواء ممدوح سالم وزير الداخلية قبل أن يصبح رئيساً للوزراء: لماذا تعتمد أجهزة الأمن علي تقارير يقدمها صحفيون من أسوأ نوعيات الفاشلين والحاقدين والكاذبين.. فأجابه الوزير: أيدي علي أيدك.. هاتلي صحفي ابن ناس وموهوب يرضي يشتغل "ناضورجي". * بعث مصطفي أمين برسالة إلي أنيس منصور عند تعيينه رئيساً لتحرير مجلة "الجيل" قال فيها: "عزيزي أنيس.. إنني أعرف أكثر من غيري ما هو منصب رئيس التحرير.. إنه أكبر خازوق في الصحافة". في هذا الكتاب سوف تقرأ أكثر وأكثر عن عبدالناصر والسادات ومبارك كيف تعاملوا مع الصحفيين وكيف تعامل الصحفيون معهم.. كيف انقلبوا علي أصدقائهم من أجل السلطة.. فالسلطة لا ترحم.