* يسأل أشرف ندا مهندس بمدينة برج العرب: ما رأي الدين فيما نراه من مجاملات بين الناس وأصحاب الدرجات القيادية ومن خرج منهم علي سن التقاعد؟ وهل هذا من الإسلام؟ ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن مستشار العلوم الشرعية بالأزهر: الحق ان الإسلام لم يغفل قواعد المجاملات. لما فيها من حكمة هادفة. ولياقة عالية وحسن تصرف. وما يترتب عليها من آثار إيجابية موجودة. وانه ينبغي علي الإنسان الحرص علي تواجدها. لا سيما إذا كانت منزلة الإنسان وصفته بين قومه تتطلب ذلك. حتي ولو بعد زوال الصفة عنه. من أدلة ذلك ان النبي صلي الله عليه وسلم قال في أساري بدر: "لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتني لتركتهم له". رغم ان المطعم بن عدي كان من المشركين ومات مشركاً. واليد التي كانت لمطعم انه لما رجع النبي صلي الله عليه وسلم من الطائف دخل في جواره. وقيل: انه أعظم من سعي في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم. ومن معهم من المسلمين حينما حصروهم في الشعب. وقد مات المطعم قبل موقعة بدر. ويدل هذا الحديث علي انه "يجوز أخذ الفداء من الأسير. والسماحة به لشفاعة رجل عظيم. وانه ليكافأ المحسن ولو كان كافراً". ولقاعدة: "أنزلوا الناس منازلهم. وإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه". وقاعدة: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم. وأكرموا عزيز قوم ذل". فقد يحدث أن يفقد عزيز لمنصبه ومكانته لسبب أو لآخر. أويصبح ذليلاً بعد أن كان عزيزاً. وصغيراً بعد أن كان كبيراً. ولا شك ان لهذا أثره النفسي الكبير علي الشخص وأهله. غير أن الإسلام من منطلق إنساني بحت يذهب. حتي في هذه الحالة. إلي إكرام الشخص والاهتمام به والاستجابة لمطالبه في بعض الأحوال. من ذلك ما حدث لسفانة بنت حاتم الطائي حينما أتي بها إلي النبي. فقالت له: يا محمد هلك الوالد وغاب الوافد. فإن رأيت ان تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإن أبي كان سيد قومه يفك العاني ويعفو عن الجاني ويحفظ الجار ويحمي الذمار ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ويحمل الكل ويعين علي نوائب الدهر وما أتاه أحد في حاجة فرده خائباً أنا بنت حاتم الطائي. فقال لها النبي: "يا جارية. هذه صفات المؤمنين حقاً لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه. خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق. وقال فيها: ارحموا عزيزاً ذل وغنياً افتقر وعالماً ضاع بين جهال. فأطلقها ومنَّ عليها. فاستأذنته في الدعاء له. فأذن لها. وقال لأصحابه اسمعوا وعوا. فقالت: أصاب الله ببرك مواقعه ولا جعل للئيم حاجة ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا وجعلك سبباً في ردها عليه. فلما أطلقها رجعت إلي قومها فأتت أخاها عدياً وهو بدومة الجندل. فقالت له: يا أخي ائت هذا الرجل. قبل أن تعلقك حبائله. فإني قد رأيت هدياً ورأياً سيغلب أهل الغلبة. رأيت خصالاً تعجبني. رأيته يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير. وما رأيت أجود ولا أكرم منه. وإني أري أن تلحق به. فإن يك نبياً فلسابق فضله. وإن يك ملكاً فلن نذل في عز اليمن. فقدم عدي إلي النبي فألقي إليه وسادة محشوة ليفاً وجلس النبي صلي الله عليه وسلم علي الأرض. فأسلم عدي بن حاتم وأسلمت أخته سفانة وكانت من أجود نساء العرب. فما أجمل التمسك بآداب الإسلام وأخلاقه ومجاملاته. وان ما ذكرناه هنا من براهين ونماذج ما هو إلا نذراً من فيض لا يمكن الإحاطة به. فتجملوا تكملوا.