للكاتب الكبير في "المصري اليوم" الذي اختار لنفسه اسم "نيوتن" أسلوب رشيق يجذب القراء.. وله أفكار جيدة يطرحها في عبارات سهلة سريعة مباشرة.. أتابعه بشغف.. وتعجبني جرأته وصراحته.. ويروق لي الكثير من أفكاره.. لكنني توقفت مذهولاً أمام المقال الذي نشره يوم الأربعاء الماضي بعنوان "الصين وفورموزا هما مصر وإسرائيل".. فقد وجدت فيه تبسيطاً مخلاً لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي. وإسقاطاً لحقائق ما كان لها أن تسقط. في هذا المقال يستدعي "نيوتن" تجربة الصين في استعادة جزيرة فورموزا. التي كانت جزءاً منها. وانفصلت.. فقد اتبعت الصين نهج دولة في حالة حرب. حتي جاء "دينج زايو بنج" في 1978 عام توقيع اتفاقية السلام المصري الإسرائيلي. فتركت النهج السابق برمته. وبدأت في نهج البناء والانفتاح علي العالم والتطبيع مع الجميع.. أمريكا وأوروبا وفورموزا نفسها.. فجاءوا إليها بالاستثمارات ومليارات الدولارات.. ومن هذا الباب عادت فورموزا.. فلماذا لا تفعل مصر مثل ذلك؟!.. لماذا مازلنا ننظر لإسرائيل كعدو. رغم كامب ديفيد؟!.. ولماذا يظل الشعب وجدانياً في حالة حرب لم تتوقف. حيث التطبيع جريمة تسقط الشرف؟!.. ليتنا نفعل ما فعلته الصين. وأحسب يا أستاذ نيوتن. أن الصورة علي هذا النحو غير مكتملة.. والقياس أسقط فوارق كثيرة بين تجربة الصين مع فورموزا. وتجربتنا مع إسرائيل. من هذه الفوارق مثلاً أن سكان فورموزا جزء لا يتجزء من الشعب الصيني.. هذا الجزء انفصل عن الوطن الأم بسبب صراع سياسي وأيديولوجي. وبدعم هائل من الغرب.. لكن لم يكن له أطماع في أرض الصين.. وكان غاية ما يطمح إليه إسقاط النظام الشيوعي في بكين. وإقامة نظام رأسمالي موالي للغرب بدلاً منه.. أما إسرائيل. فأمرها مختلف تماماً.. إسرائيل وليدة حركة استعمارية استيطانية. عنصرية.. خططت لطرد سكان فلسطين الأصليين من أرضهم وديارهم. واستجلبت شعباً آخر ليحل محلهم.. هذا الشعب هو خليط مهاجر من أوطان مختلفة.. ولم تكتف إسرائيل ولن تكتفي بما التهمته من أرض فلسطين.. ومازالت أطماعها التوسعية المعلنة تهدد ما بقي من فتات أرض فلسطين.. وتهدد أيضاً العديد من الدول المجاورة. وقد وقعت إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية.. واحتفظت بعلاقات سلام مع معظم الدول العربية التي لم توقع معها معاهدات.. فهل عاشت إسرائيل في سلام؟!!.. وهل احترمت التزاماتها وعاشت داخل حدودها؟!!.. لقد غزت لبنان وهددت عاصمته. وضربت المفاعل النووي العراقي.. وأذرع مخابراتها تعيث فساداً في مصر وجنوب السودان وشمال العراق وسوريا. باعترافات رسمية من قادة أجهزة مخابراتها أنفسهم. أما لماذا يظل الشعب المصري وجدانياً في حالة حرب مع إسرائيل. لم تتوقف. حيث التطبيع جريمة تسقط الشرف. فالإجابة سهلة بسيطة.. تستطيع أن تراها في الاعتداءات اليومية علي الشعب الفلسطيني "الشقيق" الأعزل. وتدمير زراعاته وتخريب بيوته.. وتستطيع أن تراها في تدنيس المستوطنين اليهود للمساجد والكنائس في حماية قوات الأمن النظامية. وآخرها محاولات اقتحام المسجد الأقصي. وإعلان خطط هدمه لإقامة معبدهم المزعوم علي أنقاضه. وتستطيع أن تري إجابة السؤال أيضاً في البيوت المهدمة في غزة والضفة الغربية.. وفي الشلل الذي أصاب السلطة الفلسطينية. فلم تعد قادرة علي المواجهة والمقاومة. ولو بالكلام.. وتستطيع أن تقرأها بوضوح شديد علي وجوه الأطفال الفلسطينيين الذين يُقتَلون ويُحرَقون ويُدفَنون أحياء. وتدوسهم أقدام الصهاينة أمام الكاميرات. يا أستاذ نيوتن.. ربما يصلح نموذج الصين وفورموزا مع السودان وجنوبه. الذي انفصل بسبب صراعات عرقية وأيديولوجية.. وربما يصلح مع العراق والشمال الكردي. أو مع اليمن شماله وجنوبه.. لكن مع إسرائيل الأمر مختلف.. جد مختلف.