منذ أن نجحت المرأة - جزئياً - في اقتحام السلك القضائي وصارت قاضياً لا أتذكر أنني تفاعلت أو حتي توقفت أمام اقتراح أو نشاط للمجلس القومي للمرأة.. هذا المجلس المحسوب ظلماً علي المرأة المصرية بينما هو في الحقيقة ممثل طبقة ضيقة جداً من نساء مصر هن هوانم النوادي والفنادق وسيدات الروتاري والليونز والإنرويل.. لكن هذا لم يمنعني من التفاعل مع اقتراحه الأخير الذي تقدم به إلي وزارة العدل لإنصاف المرأة المظلومة والمستضعفة في القري والنجوع.. والتأكد من حصولها علي نصيبها العادل من ميراثها الشرعي. قلت: أخيراً ترجل المجلس القومي للمرأة وسار علي قدميه بين الناس.. وخرج من دائرة الندوات والمؤتمرات في فنادق الخمس نجوم.. وتجاوب مع مشكلة مزمنة تعاني منها المرأة المصرية علي مدي تاريخها الطويل.. مشكلة حرمانها من الميراث أو انتقاص حقها في الميراث بدعاوي تعود إلي عصور التخلف.. مازالت تنظر إلي المرأة علي أنها أقل من الرجل ولا تستحق الميراث الشرعي الذي كفلته وفرضته الشريعة الغراء. هذا إرث اجتماعي بغيض كان من الواجب مواجهته والتخلص منه ومن عاره.. ويستحق المجلس القومي للمرأة الشكر علي كل حال أن تنبه إليه وقرر خوض المعركة ضده.. فقدم اقتراحاً إلي وزارة العدل لاستحداث مادة تضاف إلي قانون المواريث لتجريم الامتناع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي في تركة مورثه أو الامتناع عن تسليم المستندات الدالة علي الملكية إلي الوارث. المادة - كما تري - تتعلق بحقوق الوارث. أي وارث. وهذه رؤية صحيحة وشاملة.. فالوارث المظلوم قد يكون ابنة أو أرملة أو طفلاً يتيماً أو ابناً ضعيفاً.. وهؤلاء جميعاً يجب أن يحفظ لهم القانون حقوقهم في مواجهة جشع واستكبار وظلم هؤلاء الذين يسيطرون علي التركة. المادة المقترحة تنص علي أن توقع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة علي كل من كانت أعيان التركة أو بعضها تحت يده وامتنع دون وجه حق عن تسليم أحد الورثة. ذكر أو أنثي. نصيبه الشرعي. ويدعو المقترح إلي توقيع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد علي سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين علي كل من كانت أعيان التركة أو بعضها تحت يده باتفاق الورثة وامتنع بغير حق عن تسليم كل وارث نصيبه في ريعها.. وفي حالة العودة تكون العقوبة الحبس.. وشدد علي ضرورة معاقبة كل من حجب مستندات ملكية أعيان التركة عن مستحقيها بالحبس مدة لا تقل عن ستة شهور. الآن.. استطيع أن أقول إن المجلس القومي للمرأة استيقظ.. وشرع يمارس مهامه الحقيقية المتعلقة بالمرأة القروية في مواجهة العادات والثقافات السلبية الموروثة إلي جانب اهتمامه بندوات ومؤتمرات المجتمع المخملي.. ونتمني أن يتسع نشاط واهتمام المجلس إلي المرأة العاملة المطحونة.. التي تعاني في بيتها ورعاية طفلها.. ثم في المواصلات وفي جهة العمل.. ويجب أن يكون المجلس القومي للمرأة ظهيراً حقيقياً لهذه المرأة.. يدافع عن حقها في الحياة الكريمة الآدمية التي لا تمتهن إنسانيتها. نعم.. في مصر مظالم كثيرة.. لكن تبقي المظالم الاجتماعية هي أعتي المظالم وأخطرها.. وأسوأ هذه المظالم ما تعانيه المرأة المصرية في حياتها العملية.. والجرائم التي تواجهها.. وأظن أن المجلس القومي للمرأة إذا أراد أن يشعر به المصريون فسوف يكون عليه دور كبير في دراسة أحوال نساء مصر علي الطبيعة والتجاوب معها.. وليس في المؤتمرات والندوات وعلي شاشات التليفزيون.. كفانا كلاماً.